الخميس، 15 أغسطس 2013

إعجاز بيت الله الحرام

 

 

 

 

 

إعجاز بيت الله الحرام

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إعجاز بيت الله الحرام

 

الكعبة المشرفة هي أول بيت وضع للناس مصداقا لقوله تعالى: "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين"[1]، وقد اختار الله سبحانه وتعالى هذا البيت العتيق بمكة المكرمة ليكون القبلة التى يتجه إليها المسلمون في صلاتهم، خمس مرات على الأقل في اليوم والليلة.

 لقد قررت كتب الفقه الإسلامي أن التوجه للقبلة يعتبر أحد شروط صحة الصلاة، لذلك فلقد أكدت العديد من الآيات القرآنية ضرورة التوجه للمسجد الحرام حيث الكعبة المشرفة عند الصلاة، يقول سبحانه وتعالى: "وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره"[2]، أي شطر المسجد الحرام.

 ولا تقتصر وظيفة الكعبة المشرفة على كونها القبلة التي يتم التوجه إليها في الصلاة، بل إن الله جعل الطواف حولها هو أحد مناسك الحج والعمرة، كما جعل الطواف حول الكعبة من خصوصيات تحية المسجد الحرام بدلا من صلاة ركعتي تحية المسجد، كما يحدث في باقي مساجد الأرض، وقد ورد الأمر بالطواف حول الكعبة المشرفة في قوله تعالى: "وليطوفوا بالبيت العتيق"[3].

 وهذا يعنى أن أهم وظيفتين للكعبة المشرفة هما: أن تكون قبلة يتم التوجه إليها في الصلاة، كما أنها أيضا مبنى يتم الطواف حوله أثناء أداء مناسك الحج والعمرة وبديلا لركعتي تحية المسجد.

إن الدراسات التحليلية التي أجريت على الكعبة المشرفة تعتبر قليلة نسبيا، ومن أهمها الدراسة التي قام بها الباحث "نجيب جدال"[4]، لذلك فإن هذا البحث يهدف إلى دراسة الخصائص التصميمية للكعبة المشرفة ومدى توافقها مع وظيفتها، باعتبارها قبلة يتم التوجه إليها في الصلاة من أي مكان في الأرض.

 وعادة ما تشتمل دراسة الخصائص التصميمية لأي مبنى على ثلاثة أشياء أساسية:

 دراسة الموقع الجغرافي للمبنى، والوصف الهندسي ويشمل دراسة الشكل والنسب الهندسية، و دراسة أسلوب توجيه المبنى.

 لذلك فإن البحث سيقوم بدراسة هذه الخصائص التصميمية، من أجل معرفة مدى توافق هذه الخصائص مع الناحية الوظيفية للكعبة المشرفة.

أولا: مميزات الموقع الجغرافي للكعبة المشرفة:

 تقع الكعبة المشرفة في مكة المكرمة والتي يتحدد موقعها الجغرافي بخط عرض 21 درجة و25 دقيقة شمالا، وخط طول 39 درجة و49 دقيقة شرقا[5].

 لقد تمت بعض الدراسات العلمية التي توضح أسباب اختيار الموقع الجغرافي لمكة المكرمة حيث توجد الكعبة المشرفة، باعتبارها القبلة التي يتجه إليها المسلمون في صلاتهم أو يحجون إليها لأداء مناسك الحج والعمرة، وقد توصلت هذه الدراسات لما يلي:

1- مكة المكرمة مركز اليابسة للعالمين القديم والجديد:

 في محاولة جادة لتحديد الاتجاهات الدقيقة إلى مكة المكرمة من المدن الرئيسية في العالم باستخدام الحاسوب الكمبيوتر، توصل الدكتور حسين كمال الدين إلى تمركز مكة المكرمة في قلب دائرة تمر بأطراف جميع القارات، أي أن اليابسة على سطح الكرة الأرضية موزعة تقريبا حول مكة المكرمة توزيعا منتظما، وأن هذه المدينة المقدسة تعتبر مركزا لليابسة

ما الدكتور مسلم شلتوت فقد أكد الدراسة السابقة عندما أعد ورقة بحثية أثبت فيها أيضا،أن مكة المكرمة تقع في مركز اليابسة للعالمين القديم و الحديث، وذلك باستخدام برنامج للحاسب الآلي، وفيما يلي أهم نتائج هذه الدراسة[8]:

أ- بالنسبة لتوسط مكة المكرمة ليابسة العالم القديم:

 تم اختيار تسع مدن وجزر لتكون هي حدود العالم القديم، وتم تحديد موقعها وبعدها عن مكة المكرمة، وقد وجد أن المسافة القوسية The arch distance بين هذه المدن والجزر وبين مكة المكرمة تقريبا 8039 كم في المتوسط، مما يعنى أن مكة المكرمة تقع في مركز دائرة يمر محيطها بالثلاث قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا التي كانت تكوّن وتمثل العالم القديم قبل اكتشاف الأمريكتين.

ب- بالنسبة لتوسط مكة المكرمة ليابسة العالم الجديد:

 تم حساب المسافة بين مكة المكرمة والمدن الآتية:

1- مدينة ويلنجتون تقع في نيوزيلند بشرق قارة استراليا: وجد أن المسافة بينها وبين مكة المكرمة 13040 كم.

2- كورن هورن أبعد نقطة في أمريكا الجنوبية: وجد أن المسافة بينها وبين مكة المكرمة 13120 كم.

3- شمال ألاسكا أبعد نقطة في شمال أمريكا: وجد أن المسافة بينها وبين مكة المكرمة 13600 كم.

وعلى ذلك فإن المسافة المتوسطة بين أبعد نقاط العالم الجديد وبين مكة المكرمة هي تقريبا 13253 كم، مما يعنى أيضا أن مكة المكرمة تقع في مركز دائرة تمر بحدود قارات العالم الجديد، وهذه الدائرة تمر أيضا بالحدود الشرقية والحدود الغربية للقطب الجنوبي.

وهنا يظهر لنا أن اختيار موقع مكة المكرمة لتكون فيها الكعبة المشرفة قبلة المسلمين، هو اختيار إلهي فيه حكمة كبرى لم تكن لتعرف إلا بعد ظهور الحقائق والاكتشافات العلمية الحديثة، فالمسلمون عندما يتجهون في صلاتهم إلى مكة المكرمة فهم يتجهون إلى موقع يعتبر بمثابة مركز اليابسة، كما أنه لا يخفى دلالة توسط موقع مكة المكرمة على تسهيل الحج والعمرة للمسلمين من مختلف بقاع الأرض، فموقعها متوسط بالنسبة لكافة القارات فهي لا تقع في أقصى الشرق أو الغرب، أو في أقصى الشمال أو الجنوب.

 وقد جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي قوله[9]: "أول ما خلق الله في الأرض مكان الكعبة، ثم دحا الأرض من تحتها، فهي سرة الأرض ووسط الدنيا، وأم القرى أولها الكعبة، وبكة حول مكة، وحول مكة الحرام، وحول الحرام الدنيا"، وهو ما يوضح أيضا أن علماء المسلمين القدامى قد فهموا ووعوا حقيقة أن مكة المكرمة هي وسط الدنيا، كما حدد البعض منهم اتجاهات وزوايا القبلة بالنسبة للبلاد الإسلامية وعلاقتها بمكة المكرمة.

 إن موقع مكة المكرمة الفريد من نوعه أدى إلى أن يطالب أحد الباحثين الغربيين، واسمه "أرنولد كيسرلنج" Arnold Keysrling، إلى أن يكون خط طول مكة المكرمة 39 درجة و49 دقيقة شرقا هو خط الطول الأساسي[10]، بدلا من خط طول جرينتش بانجلترا والذي تم فرضه على العالم سنة 1882م، وقت أن كانت الإمبراطورية البريطانية هي أكبر قوة موجودة في العالم.

2- إشارة الظلال إلى مكة المكرمة [11]:

 لقد أدى وقوع مكة المكرمة في المنطقة المدارية الاستوائية، أي في المنطقة التي تقع بين مدارى السرطان والجدي، وتحديدا عند خط عرض 21 درجة و25 دقيقة شمالا وخط طول حوالي 39.5 درجة شرق جرينتش، إلى ارتباط مبانيها وبالتالي الكعبة المشرفة بظاهرة فلكية هامة، وهى تعامد الشمس عليها مرتين كل عام وقت صلاة الظهر (الزوال)(12)، وذلك يومي 29 مايو و16 يولية.

 ويمكن الاستفادة من هذه الظاهرة الطبيعية لتحديد أو تصحيح اتجاه القبلة من كل البلاد والأماكن بنصف الكرة الأرضية المضاءة بالشمس في هذين اليومين، وتحديدا لحظة الزوال الظهر الشرعي في الساعة 12 و 18 دقيقة حسب التوقيت المحلى لمدينة مكة المكرمة يوم 29 مايو، وكذلك في الساعة 12 و27 دقيقة في يوم 16 يوليو من كل عام، حيث تكون الشمس عمودية تماما على مكة المكرمة وينعدم ظل الشاخص فيها آنذاك.

وفى هذين التوقيتين بالضبط يمكن لكل بلد مقابلة التوقيت المحلى لها معهما، وعن طريق مراقبة ظل شاخص موضوع عموديا على الأرض، فان اتجاه القبلة يكون في الجهة المعاكسة لظل ذلك الشاخص آنذاك، حيث يشير امتداد ظل الشاخص إلى موقع القبلة التي تتعامد عليها الشمس في هذين الوقتين كدليل ومرشد عليه

لقد أورد الفلكي المسلم "نصير الدين الطوسي" المولود سنة 597 هجرية في كتابه "التذكرة في علم الهيئة"، أنه يمكن معرفة "سمت القبلة" كما يلي[14]: "ولمعرفة سمت القبلة طرق كثيرة لا يليق إيرادها هاهنا، فلنقتصر على وجه سهل وهو أن الشمس تكون مارة بسمت رأس مكة عند كونها في الدرجة الثامنة من الجوزاء، والثالثة والعشرين من السرطان وقت انتصاف النهار هناك، والفضل بين نصف نهارها ونصف نهار سائر البلدان يكون بقدر التفاوت بين الطولين، فليؤخذ التفاوت ويؤخذ لكل خمسة عشر جزءا ساعة ولكل جزء أربع دقائق، فيكون ما اجتمع ساعات البعد عن نصف النهار، وليرصد في ذلك اليوم ذلك الوقت قبل نصف النهار إن كانت مكة شرقية أو بعده إن كانت مكة غربية، فسمت الظل ساعة إذ يكون سمت القبلة".

 إن الفقرة السابقة تؤكد أن المسلمين الأوائل قد توصلوا إلى طريقة تحديد اتجاه القبلة نتيجة تعامد الشمس على مكة المكرمة، مرتين في العام وقت منتصف النهار تماما، على التفصيل الذي أوضحناه، ويكون اتجاه الظل ساعة إذ هو اتجاه القبلة حيث الكعبة المشرفة.

 إن أسلوب تحديد اتجاه القبلة عن طريق الظلال، يعتبر أدق طريقة معروفة لتحديد اتجاه القبلة من أي مكان أو موقع بالكرة الأرضية، وهو ما يوضح أن اختيار موقع الكعبة المشرفة في مدينة مكة المكرمة، يتناسب تماما مع وظيفتها كقبلة يتم التوجه إليها في الصلاة، لأن التوجه للقبلة يستلزم التعرف إلى طرق علمية دقيقة تساعد على التوجه إليها من أي موقع أو مدينة بالكرة الأرضية.

ثانيا: دراسة تحليلية لشكل الكعبة المشرفة ونسبها الهندسية:

1- دراسة الشكل الهندسي:

أورد عالم الآثار الإنجليزي "كريزول" في كتابه الشهير "الآثار الإسلامية الأولى ما يلي[15]: " في حياة محمد صلى الله عليه وسلم كان الحرم في مكة مؤلفا من بناء صغير مستطيل الشكل لا سقف له الكعبة، له أربعة جدران أعلى من ارتفاع الإنسان بقليل حسب رواية ابن هشام[16]، أو حوالي 9 أذرع حوالي 4.5م حسب رواية الأزرقي[17]، مبنية من الحجارة العادية دون ملاط مونة، وكان الحرم مستطيل الشكل يقصد الكعبة أطوال جوانبه- حسب رواية الأزرقي- 32 ذراعا شمال- شرق، و22 ذراعا شمال- غرب، و31 ذراعا جنوب- غرب، و20 ذراعا جنوب- شرق..، هذا الحرم الصغير المعروف بالكعبة يقوم في أسفل الوادي الذي تحيط به منازل مكة الملتصقة به.."، شكل 3.

 إن الوصف السابق يعنى أن أطوال أضلاع الكعبة الأصلية هي على التوالي كما يلي[18]:

· الضلع الشمالي الشرقي 32 ذراعا.

· الضلع الشمالي الغربي 22 ذراعا.

· الضلع الجنوبي الغربي 31 ذراعا.

· الضلع الجنوبي الشرقي 20 ذراعا.

وهو ما يعني أنه لا يوجد ضلع من أضلاع الكعبة الأصلية يساوى أي من الأضلاع الأخرى، كما أنه لا يوجد ضلع يوازى الضلع المقابل، وهذه هي سمات الأشكال ذات الأربعة أضلاع التى يطلق عليها من ناحية توصيف الشكل الهندسي بالأشكال "المنحرفة" أو "مختلفة الأضلاع"[20]، وهى من الأشكال نادرة الاستعمال في المساقط الأفقية بصفة عامة، مقارنة بالأشكال الهندسية الأخرى كالمربع أو المستطيل أو شبه المنحرف وغيرها.

 إن مقاسات الكعبة الأصلية كما وردت في كتاب الأزرقي "أخبار مكة"، كما رفع قواعدها سيدنا إبراهيم، تختلف عن مقاسات الكعبة الحالية والتي تنقص عدة أذرع من جهة حجر إسماعيل منذ أن جددت قريش بناءها[21]، كما ورد ذلك في بعض الأحاديث النبوية، ففي صحيح البخاري-رحمه الله تعالى- قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه"[22].

 إن مقاسات الكعبة حاليا منذ أن جدد بناءها في عهد قريش كما يلي[23]، شكل (4):

· الضلع الشمالي الشرقي 11.68 مترا.

· الضلع الشمالي الغربي 9.90 مترا.

· الضلع الجنوبي الغربى 12.04 مترا.

· الضلع الجنوبي الشرقي 10.18 متر

إن الشكل الهندسي للكعبة منذ أن رفع جدرانها سيدنا إبراهيم إلى الآن لم يتغير، بالرغم من حدوث نقص من طولها من جهة حجر إسماعيل حين جددت قريش بناءها، فالشكل الهندسي للكعبة هو الشكل المنحرف أو مختلف الأضلاع، وهو شكل نادر الاستعمال في المساقط الأفقية لأنه لا يوجد فيه أضلاع متساوية في الطول أو متوازية على الإطلاق.

 لقد ورد في العديد من الدراسات والمراجع خاصة غير العربية[25]، أن سبب تسمية الكعبة بهذا المسمى أنها مكعبة الشكل، ولكن مقاسات الكعبة توضح غير ذلك كما بينا، وهذا يعنى أن سبب التسمية لا يتفق مع الشكل الهندسي.

 إن سبب هذه التسمية يمكن أن يكون راجعا لسبب آخر وهو بروز الكعبة، فالكعب في اللغة هو العظم الناتئ عند ملتقى الساق والقدم[26]، ويقال في اللغة: "كعبت الفتاة أي نهد ثديها فهي كاعب[27]، ومنها قوله تعالى في وصف الحور العين: "وكواعب أترابا"[28]، فمن المعنى اللغوي لكلمة "الكعبة" نرجح أن سبب التسمية راجع إلى بروزها، لا لكونها مكعبة الشكل لأن هذا لا يتفق مع شكلها الهندسي كما أوضح

- دراسة النسب الهندسية للكعبة المشرفة:

 بناء على التحليل الهندسي للمقاسات الأصلية لمبنى الكعبة المشرفة، شكل (5)، كما بناها سيدنا إبراهيم عليه السلام فقد تم التوصل لما يلي:

1- النسبة المتوسطة ما بين عرض مبنى الكعبة إلى طولها هي 2: 3، وهى نسبة هندسية دقيقة ومحددة.

2- النسبة المتوسطة ما بين عرض مبنى الكعبة مابين حائطها الجنوبي (بين الركنين الأسود واليماني)، وطولها حتى نهاية حجر إسماعيل هي 1: 2، وهى أيضا نسبة هندسية دقيقة.

 3- النسبة الحقيقية بين حائط الكعبة بين الركنين الأسود واليماني إلى حائط الكعبة مابين الركنين الأسود والعراقي هي 1: 1.60 وهى تعرف باسم النسبة الذهبية (فاى)، وهى تعتبر من وجهة النظر الهندسية أفضل نسبة مريحة للعين البشرية ولم تعرف تحديدا إلا بدءا من الحضارة الإغريقية، على يد الرياضي الأغريقى "فيثاغورس"، حيث وجد فيثاغورس واليونانيون القدماء أن هذه النسبة مريحة بصريا، وتشكل أحد أهم معايير الجمال في الطبيعة، لذا فقد اعتمدوا هذا المستطيل الذهبي في عمائرهم

إن التحليل الهندسي السابق للمقاسات الأصلية للكعبة المشرفة يوضح دقة نسبها الهندسية بصفة عامة، ومن جانب آخر يوضح تميزا في اختيار النسبة الهندسية الأصلية مابين الحائط الجنوبي الغربي والحائط الشمالي الشرقي (الحائطان الملتقيان عند ركن الحجر الأسود)، حيث إن النسبة الحقيقية بينهما هي "النسبة الذهبية" (فاى).

ثالثا: دراسة أسلوب توجيه الكعبة المشرفة:

 في هذا المحور من البحث سنحاول أن نوضح أن وضع وتوجيه الكعبة المشرفة بحيث يمكن الاهتداء إليها في الصلاة، هو وضع مقصود يتمشى مع وظيفتها الأساسية كقبلة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

1- دراسة توجيه الكعبة المشرفة:

 توصل المهندس محمد المعتز بالله الكنانى بعد قياس زوايا انحراف الكعبة المشرفة (عام 1410 هجرية)، إلى أن محور الكعبة الواصل بين الركن العراقي والركن اليماني مارا بمركز الكعبة، يتجه إلى الشمال المغناطيسي مع انحراف يسير جهة الشرق يقدر بحوالي 3.50 درجة[30].

 لقد قام مقدم البحث بدراسة الصورة الجوية الملتقطة بالأقمار الصناعية باستخدام برنامج "جوجل ايرث" Google earth، وبمقارنة توجيه المسقط الأفقي للكعبة حاليا بالنسبة لخطوط الطول، شكل (6)، اتضح من ذلك أن قطر الكعبة الواصل بين الركن اليماني والركن العراقي يميل بحوالي 7 درجات جهة الشرق عن اتجاه الشمال الحقيقي، وهذا يعنى أن الخط الواصل بين الركن اليماني الحالي والركن العراقي الأصلي، يشير تماما إلى اتجاه الشمال الحقيقي

لقد أدى توجيه الكعبة بهذا الأسلوب إلى أن ترتبط ببعض الظواهر الفلكية المعينة، فالشمس في فصل الصيف تشرق من أمام الحائط الشمالي الشرقي الذي به باب الكعبة، أما الشمس شتاء فتغرب من أمام الحائط الشمالي الغربى (مابين الركنين اليماني والشامي)، أما الاتجاه المتعامد على الضلع الواصل بين ركن الحجر الأسود والركن اليماني يأخذ اتجاه شروق الشمس في فصل الشتاء،وفي نفس الوقت يأخذ اتجاه النجم سهيل (سهيل اليمن) عند شروقه في الجهة الشرقية الجنوبية، وهذا النجم يعتبر ألمع نجوم السماء بعد نجم الشعرى اليمانية، أما الضلع الواقع بين الركن العراقي والركن الشامي يأخذ اتجاه ثلاثة نجوم في يد المحراث في مجموعة الدب الأكبر والتي كان يسميها العرب نجوم بنات نعش[31]، شكل(8).

 وقد تم العثور على مخطوط عربي نادر في مكتبة ميلانو (المجموعة 73) بايطاليا لفلكي مسلم من عدن باليمن يسمي محمد ابن أبي بكر الفارسي كتبه في عام 1290 ميلادي(في القرن الثالث عشر الميلادي)، وذلك المخطوط ينص بأن الكعبة بنيت بحيث أن كل ركن فيها يقابل اتجاه ريح من الرياح الأربع التي تهب علي مكة المكرمة خلال فصول العام[32].

 فالرياح الأولى تسمى الصابا وكانت تهب علي ركن الحجر الأسود وما حوله أي إنها رياح شرقية، والرياح الثانية تسمى الجنوب وكانت تهب على الركن اليماني وما حوله، والرياح الثالثة تسمى الدبور وكانت تهب علي الركن الغربي وما حوله، والرياح الرابعة تسمى الشمال وكانت تهب على الركن الشمالي وما حوله.

 وإذا كان التوجه للقبلة هو أحد أهم الثوابت الخاصة بعمارة المساجد مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى: "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره"[33]، فإن المسلمين الأوائل قد استفادوا من ارتباط بعض الظواهر الفلكية السابقة بالكعبة المشرفة من أجل تحديد اتجاه القبلة ولو بطريقة تقريبية

 فمع انتشار الإسلام شمالا وجنوبا وشرقا وغربا لعب النجم سهيل ونجوم بنات نعش دورا كبيرا في تحديد اتجاهات القبلة في البلاد الإسلامية المترامية الأطراف، بجانب المزولة الشمسية، وعلي أساس علم الفلك المتوارث الشعبي Folk Astronomy عند العرب في ذلك الوقت قبل قيام الحضارة العربية الإسلامية وتقدم علم الفلك تقدما كبيرا غير مسبوق.

 فقد أورد الباحثان الغربيان "ديفيد كنج" و"هاوكنجز" في بحثهما المنشور عام 1982م بمجلة "تاريخ الفلك"[35]، أن المسلمين الأوائل من ذوى الأصول المكية كانوا يعرفون حين يقفون أمام حوائط الكعبة أو أركانها، أنهم سوف يرون بعض الظواهر الفلكية كشروق أو غروب الشمس، أو بعض نجوم السماء الثابتة (كسهيل اليمن، ومجموعة نجوم بنات نعش).

 كما أوضحا أن مسجد عمرو بن العاص بمدينة الفسطاط بمصر تتجه قبلته إلى حيث موضع شروق الشمس شتاء، أما مساجد العراق الأولى فتتجه قبلتها حيث موضع غروب الشمس شتاء، مما يعنى أن المسلمين الأوائل وخاصة من ذوى الأصول المكية كانوا يستعينون بالظواهر الفلكية المرتبطة بالكعبة المشرفة، للاستدلال على اتجاه القبلة في العقود الإسلامية الأولى قبل تقدم علم المساحة.

 كما ورد في كتب التراث الإسلامي ما يدل على معرفة المسلمين الأوائل بهذه الظواهر الفلكية، فقد أورد الإمام أبو حامد الغزالي المتوفى سنة 505 هجرية في كتابه "إحياء علوم الدين"، أن أدلة معرفة القبلة ثلاثة أقسام[36]:

1- أرضية: كالاستدلال بالجبال والقرى والأنهار.

2- هوائية: كالاستدلال بالرياح شمالها وجنوبها وصباها ودبورها.

3- وسماوية: وهى النجوم.

 وهو ما يوضح معرفة المسلمين باستخدام النجوم والرياح في الاستدلال على القبلة، وهى ظواهر مرتبطة بالكعبة المشرفة كما أوضحنا.

 ومما يؤكد ذلك أيضا ما ورد في كتاب "الفقه على المذاهب الأربعة" في مبحث "ما تعرف به القبلة"[37]، أن الشافعية قالوا يجوز أن يستدل على القبلة "بالقطب" مع وجود المحاريب إذا كان يعرفه يقينا ويعرف الاستدلال به في كل قطر، وقد ورد في نفس المرجع نفسه أن "القطب" هو نجم صغير في بنات نعش الصغرى، ويستدل به على القبلة في كل جهة بحسبها أيضا[38].

 وقد أوضحنا أن مجموعة بنات نعش النجمية من المجموعات النجمية المرتبطة في غروبها، أضلاع الكعبة المشرفة وهو الضلع المحدود بالركنين العراقي والشامي، وهو ما يثبت أن فقهاء المسلمين كانوا يعرفون هذه المعلومة بدليل أنهم قد أفتوا بجواز الاستدلال بنجم "القطب" المنتمى لهذه المجموعة النجمية.

 إن الأدلة السابقة توضح أهمية ارتباط بعض الظواهر الفلكية بالكعبة المشرفة، حيث تمكن المسلمون الأوائل بدون استعمال البوصلة المغناطيسية وقبل تحديد اتجاهات القبلة بدقة من بلاد المسلمين، من الاعتماد على هذه الظواهر الفلكية من أجل تحديد اتجاه القبلة في الأمصار والبلاد المفتوحة ولو بطريقة تقريبية، وهو ما يعطى دليلا ماديا على أن اختيار وضع وتوجيه الكعبة المشرفة لم يكن عشوائيا، ولكن هذا الوضع من أجل أن ترتبط بهذه الظواهر الفلكية مما سهل على المسلمين الأوائل تحديد اتجاه القبلة بطريقة تقريبية، وتحقيق قول الله سبحانه وتعالى: "وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره".

2- إلى أي الجهات في العالم تشير أركان الكعبة المشرفة؟:

 قام مقدم هذا البحث بعمل دراسة لمعرفة إلى أي الجهات من اليابسة المعمورة تشير أركان الكعبة المشرفة الأصلية)، وكانت نتائج الدراسة كما يلي، انظر شكل (9):

1- الركن المعروف باسم الركن العراقي يشير بالفعل إلى غرب العراق، وآخر جهات اليابسة التى يشير إليها هذا الركن هي المنطقة المعروفة باسم "سهل أوروبا الشرقي"، وهى منطقة تقع على الحدود مابين قارتي آسيا وأوروبا، وهذا يعنى أن الركن المسمى بالركن العراقي يشير إلى قارة أوروبا.

 2- الركن المعروف باسم الركن الشامي، لا يشير من قريب أو بعيد إلى بلاد الشام ولكن يشير إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعنى أن هذا الركن يشير إلى أمريكا.

3- الركن المعروف باسم الركن اليماني، لا يشير من قريب أو بعيد إلى بلاد اليمن ولكن يشير إلى الساحل الشرقي من أفريقيا وتحديدا إلى الساحل الشرقي لدولة "موزمبيق"، في موقع استراتيجى يتوسط قارتى استراليا وأمريكا الجنوبية، وهو ما يعنى أن هذا الركن يشير إلى قارة أفريقيا.

4- الركن الموجود به الحجر الأسود يشير إلى جزر ايريان الغربية (التابعة لقارة آسيا)، وهى تقع مابين قارتي أستراليا وآسيا، أي أن هذا الركن يشير إلى قارة آسيا.

إن النتائج السابقة توضح أن أركان الكعبة تشير إلى مواقع استراتيجية من اليابسة المعمورة، وأن كل موقع من هذه المواقع يقع بين قارتين من القارات الست المعمورة، وأن التسميات الواقعية للكعبة المشرفة هي: الركن الأوروبي، والركن الأمريكي، والركن الأفريقي، والركن الآسيوى، شكل (10)، وهو ما يوضح عالمية الكعبة المشرفة وأنها قد وضعت لكل الناس بالفعل في مركز اليابسة، مصداقا لقوله تعالى:" إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين"[3

* نتائج البحث:

 توصل البحث للنتائج التالية:

1- يعتبر موقع الكعبة المشرفة بمكة المكرمة موقعا فريدا من نوعه، حيث أثبتت الدراسات العلمية الحديثة توسط مكة المكرمة لليابسة بالنسبة لكل من العالمين القديم والجديد.

2- يشير عكس اتجاه الظلال إلى موقع مكة المكرمة مرتين كل عام عندما تتعامد الشمس عليها (يومى 29 مايو و16 يولية)، فيمكن للمسلمين تحديد اتجاه القبلة أو تصحيحها بكل دقة فى كل بقاع الأرض، وتعتبر هذه الطريقة هي أدق طريقة معروفة الآن لتحديد اتجاه مكة المكرمة (القبلة).

3- الشكل الهندسي لمسقط الكعبة المشرفة هو الشكل المنحرف أو المختلف الأضلاع، وهو من الأشكال الهندسية نادرة الاستعمال في المبانى، وهذا يعنى أن سبب تسمية الكعبة بهذا الاسم ربما يرجع لبروزها لا لكونها مكعبة الشكل كما يرد فى العديد من الكتب والمراجع.

4- أثبت التحليل الهندسي لمقاسات الكعبة الأصلية أنها وضعت طبقا لنسب هندسية دقيقة ومحددة، من أهمها ما هو معروف باسم "النسبة الذهبية".

5- يشير ركن الكعبة الحالي المعروف بالركن العراقي إلى اتجاه الشمال الجغرافي مع انحراف يقدر بحوالي 7 درجات إلى الشرق، أما الركن العراقي الأصلي فيشير تماما إلى اتجاه الشمال الجغرافي الحقيقي.

6- أدى توجيه المسقط الأفقي للكعبة المشرفة بهذا الوضع إلى ارتباطها بظواهر فلكية معينة، كشروق الشمس أو غروبها من أمام حوائط معينة للكعبة، أو شروق بعض النجوم اللامعة من أمام حوائط أخرى، وهو ما مكّن المسلمين الأوائل من تحديد اتجاه القبلة ولو بطرق تقريبية، نتيجة استعانتهم بهذه الظواهر الفلكية، وهو ما أثبتته الأبحاث الحديثة.

7- تشير أركان الكعبة المشرفة إلى مواقع إستراتيجية من المعمورة، وتحديدا إلى قارات أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا، وهو ما يعطى بعدا عالميا للكعبة المشرفة، وعلى أساس ذلك فإن المسميات الحقيقية لأركان الكعبة المشرفة تكون كما يلي:

* الركن الأوروبي (حاليا العراقي).

* الركن الأمريكي (حاليا الشامي).

* الركن الأفريقي (حاليا اليماني).

* الركن الآسيوي (الموجود به الحجر الأسود

الطواف حول الكعبه

 

 

قال تعالى : (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ سُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ ( التوبه 3

فرض الله الحج و العمرة بمكة المكرمة خاصة جعلها الله تعالى فيها . و من كرامات هذا المكان أن الله قد اختصه بأن يكون أول مكان يعبد فيه الله على الأرض ، و في كلا الشعيرتين .

الحج و العمرة يطالب المسلم بالطواف حول البيت الحرام سبعة أشواط بدءاً من الحجر الأسود و انتهاءً بالحجر الأسود ،و هذا الطواف يتم في عكس عقارب الساعة ، و هو نفس اتجاه الدوران الذي تتم به حركة الكون من ادق دقائقه إلى أكبر وحداته ، فالإلكترون يدور حول نفسه ، ثم يدور حول نواة الذرة في نفس اتجاه الطواف عكس عقارب الساعة ،و الذرات في داخل السوائل المختلفة تتحرك حركة موجبة .

حتى في داخل كل خلية حية تتحرك حركة دائرية ، البروتوبلازم يتحرك حركة دائرية في نفس الاتجاه الأرض تدور حول الشمس و القمر يدور حول الأرض ،و المجموعات الشمسية تدور حول مركز المجرة ، و المجرة تدور حول مركز تجمع مجري ،و التجمع المجري يدور حول مركز الكون لا يعلمه إلا الله عكس عقارب الساعة.

و كذلك أن البيضة عندما تخرج من المبيض إلى قناة الرحم، قناة (فالوب) في رحلتها إلى الانغراس في بطانة الرحم تدور حول محورها بعكس اتجاه عقرب الساعة وهي تحيطها الحيوانات المنوية في دوران عكس اتجاه عقرب الساعة، مثل دوران الحجيج أو الطواف حول الكعبة و من الغريب أيضاٍ في كافة أجسام الكائنات الحية و هي تتكون من البروتينات و هي جزيئات معقدة للغاية لبناتها الأحماض الأمينية ، وهي مكونة من خمسة عناصر ( الكربون ـ الهيدروجين ـ الأكسجين ـ الكبريت ـ النتروجين )هذه العناصر تترتب حول ذرة الكربون تترتب ترتيباً يسارياً أي نفس اتجاه الطواف حول الكعبة .

يقول تعالى: " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ "(آل عمران:96

" إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ " (آل عمران‏:96) . في تفسير هذه الآية الكريمة أجمع المفسرون على أن من دلالات قول ربنا تبارك وتعالى ‏" إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ‏" (آل عمران‏:96) , هو أن الكعبة المشرفة هي أول بيت وضع لعبادة الله في الأرض‏ ,‏ وإن قال السدي رحمة الله إنه أول بيت وضع على وجه الأرض مطلقاً .‏ وتعددت الروايات في تحديد من بني هذا البيت الع وإن كان من الثابت قرآنا وسنة أن أبا الأنبياء إبراهيم وولده إسماعيل على نبينا وعليهما من الله السلام قد تلقيا أمرا من الله تعالى برفع هذا البيت من قواعده‏ ,‏ وأن يخصصاه للطائفين والعاكفين والركع السجود‏ ,‏ وأن يجعل مكانا للصلاة‏ ,‏ وللحج والعمرة وال‏ وقبلة للمصلين سواء العاكف فيه والباد . وكان ذلك منذ أربعة آلاف سنة تقريبا‏ (أي منذ سنة ‏1824‏ ق‏.‏م)‏ وقد تهدم البيت عدة مرات وأعيد بناؤه مما يؤكد شرف البقعة المكانية لا على شرف أحجار البناء‏ ,‏ ولقد جاء في أخبار مكة للفاكهي ثم للأزرقي أن البيت قبيلة جرهم‏ ,‏ ثم هدم فبنته العماليق‏ ,‏ ثم هدم فبنته قريش‏ (سنة‏16‏ قبل الهجرة‏) ,‏ وبعد ذلك بناه عبد الله بن الزبير‏ , (سنة‏64‏ ه‏)‏ ثم الحجاج‏ (سنة‏74‏ ه‏)‏ ثم السلطان مراد بن أحمد العثماني سنة‏1039‏ ه‏ ,‏ وهو البناء الموجود حالآية الكريمة‏ ,‏ ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يتضح لنا أن الكعبة المشرفة بنتها الملائكة عند تمام خلق السماوات والأرض استعدادا لمقدم أبينا آدم عليه السلام وعلى ذلك فهي أول بيت بني فوق سطح الأرض على الإطلاق‏

 

من الدلالات العلمية للآية الكريمة يقول ربنا تبارك وتعالى‏:" إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ " (آل عمران‏:96)ونص الآية الكريمة واضح الدلالة على أن الكعبة المشرفة هي أول بيت وضع للناس‏ .‏ والتعبير‏ (أول بيت‏)‏ لم يحدد أنه أول بيت للعبادة‏ ,‏ وإن كانت الكعبة المشرفة هي أول بيت عبد الله تعالى فيه على الأرض‏ ,‏ وعلى ذلك فالاستنتاج أنه أول بيت على الإطلاق يبن الأرض أقرب إلى فهم دلالة النص القرآني الكريم ويدعم ذلك وصف القرآن الكريم للكعبة المشرفة بوصف‏ (البيت العتيق‏)‏ كما جاء في سورة الحج (آية‏29) . كذلك فإن التعبير القرآني‏ (وضع للناس‏)‏ ينفي أن يكون أحد من الناس قد بناه ابتداء‏ ,‏ مما يدعم القول بأن هي التي ابتدأت بناء هذا البيت العتيق‏ (الكعبة المشرفة‏) ,‏ ثم تهدم البيت العتيق وبنته أجيال من الناس ست مرات على الأقل‏ ,‏ مما يؤكد أن الكرامة والبركة والشرف هي للبقعة المكانية وليست لأحجار البناء باستثناء الحجر الأسعد‏ .‏ ويؤكد هذا الاستنتاج الأحاديدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والتي تؤكد بركات‏ ,‏ وكرامة‏ ,‏ وشرف الحرم المكي‏ ,‏ الذي حرمه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض‏ ,‏ وجعله حرما آمنا‏ ,‏ وفي ذلك يقول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ‏:‏" إن مكة حرمها الله‏ ,‏ ولم يحرمها النخاري‏) ." إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض‏ ,‏ لا يعضد شوكه‏ ,‏ ولا ينفر صيده‏ ,‏ ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها " (البخاري وأح‏ "‏ إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض‏ ,‏ فهي حرام بحرام الله إلي يوم القيامة‏ " (مصنف عبد الرزاقوقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما خطب به الناس يوم الفتح ‏: ‏"‏ إن مكة حرمها الله يوم خلق السماوات والأرض‏ ,‏ لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما‏ ,‏ ولا يعضد بها شجرا‏ ,‏ فإن أحد ترخص في قتال فيها‏ ,‏ فقولوا‏:‏ إن الله أ يأذن لكم‏ ,‏ وإنما أذن له ساعة من نهار‏ ,‏ وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها أمس " (صحيح البخاري‏‏"‏ لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها‏ ,‏ فإذا ضيعوا ذلك هلكوا‏ " (أحمد وابن ماجه‏) .‏ وهذه الأحاديث النبوية الشريفة هي مذكرة تفسيرية لقول ربنا تبارك وتعالى على لسان خاتم أنبيائه ورسله صلوات الله وسلامه عليه‏ :‏ " إِنَّمَا أُمِ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ " (النمل‏:91) .

دراسات علوم الأرض ونشأة أرض الحرم المكي الشريف:

تفيد أحدث النتائج في دراسات علوم الأرض إلى أن كوكبنا مر بمرحلة من تاريخه القديم غمر فيها بالماء غمرا كاملا‏ ,‏ فاختفت اليابسة تماما ثم فجر الله تعالى قاع هذا المحيط الغامر بثورة بركانية ظلت تلقي بحممها فوق قاع هذا المحيط الأول حتى تكونت سلسلة جبلية في وس تشبه ما يعرف اليوم باسم "حيود أواسط المحيطات‏ " ,‏ وهي سلاسل من الصخور البركانية والرسوبية المختلطة تجري بطول أواسط المحيطات الحالية وتغذيها الأنشطة البركانية باستمرار على فترات من النشاط والخمود حتى تظهر بعض قممها فوق مستوي سطح الماء في المحيط لتكون عد من الجزر البركانية مثل جزر كل من هاواي‏ ,‏ واليابان‏ ,‏ والفلبين‏ ,‏ وإندونيسيا وغيرها‏ .‏والسلسلة الجبلية التي تكونت فوق قاع المحيط الأول الغامر للأرض ظلت تنمو بتواصل نشاطها البركاني حتى برزت أول قمة منها فوق مستوي سطح الماء فكانت أرض مكة المكرمةله تعالى ملائكته بمباركة هذه القطعة الأولى من اليابسة وبناء الكعبة المشرفة عليها‏ ,‏ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :‏ "‏ كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض‏ " (الهروي‏ ,‏ الزمخشوقال عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏ : ‏"‏ دحيت الأرض من مكة فمدها الله تعالى من تحتها فسميت أم القرى " (مسند الإمام أحمد‏وفي شرح هذين الحديثين الشريفين ذكر كل من ابن عباس رضي الله عنهما وابن قتيبة (أرضاه الله‏)‏ أن مكة المكرمة سميت باسم أم القرى لأن الأرض دحيت من تحتها لكونها أقدم الأرض‏ .‏ و‏ (‏الدحو‏)‏ في اللغة هو المد والبسط والإلقاء‏ ,‏ وهي كلمة جامعة للتعبير عركان الذي يوسع من امتداد طفوحه البركانية كلما تجدد نشاطه وذلك بإلقاء مزيد من تلك الطفوح‏ .‏ كذلك أخرج كل من الطبراني والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفا عليه أنه أي البيت الحرام كان أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السماوات والأرض زبدة‏ (بفتح الز‏ أي كتلة من الزبد بيضاء فدحيت الأرض من تحته‏ .‏ وقد ظلت الثورات البركانية فوق القاع المحيط الأول تلقي بحممها حتى تعددت الجزر البركانية فيه وبدأت تتلاحم حتى وسعت من مساحة اليابسة مكونة كتلة أرضية واحدة تعرف باسم القارة الأم أو أم القارات ‏ (PANGAEA) .شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يفتت تلك القارة الأم بشبكة من الصدوع إلى القارات السبع التي نعرفها اليوم‏ ,‏ وكانت هذه القارات أشد قربا إلى بعضها البعض من أوضاعها الحالية ثم أخذت في الانزياح متباعدة عن بعضها البعض حتى وصلت إلى أوضاعها الحالية‏ .‏ ولا قارات الأرض السبع في حركات مستمرة‏ ,‏ ولكنها حركات بطيئة لا يشعر بها الإنسان وإن أمكنة قياسها‏

توسط مكة المكرمة من اليابسة:‏في دراسة لتحديد اتجاهات القبلة من المدن الرئيسة في العالم لاحظ الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين‏ (رحمه الله رحمة واسعة جزاء ما قدم‏)‏ تمركز مكة المكرمة في قلب دائرة تمر بأطراف القارات السبع الحالية‏ ,‏ واستنتج من ذلك أن اليابسة موزعة حول مكة المكرمة تومنتظما على سطح الكرة الأرضية‏ ,‏ بمعنى أن هذه المدينة المباركة تعتبر مركزا لليابسة‏ .‏ وبمتابعة هذه النتيجة المبهرة‏ ,‏ وجدت انه في كل حالات اليابسة‏:‏ وهي كتلة واحدة‏ ,‏ وعندما تم تفتيتها إلى القارات السبع‏ ,‏ وعندما كانت القارات أكثر قربا من ,‏ وفي مراحل زحفها المتتالية حتى وصلت إلى أوضاعها الحالية‏ ,‏ كانت الكعبة المشرفة دائما في وسط اليابسة مما يؤكد أن اليابسة قد دحيت من تحتها كما أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما أشار ربنا في محكم كتابه بقوله العزيز مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله صلى اللليه وسلم ‏‏" وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا" (‏الأنعام‏:92وقال وهو أحكم القائلين ‏: ‏" وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِياًّ لِّتُنذِرُ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ‏" (الشورى‏:7وقد حاول عدد من المستشرقين اقتطاع النص القرآني الكريم‏ (ولتنذر أم القرى ومن حولها‏)‏ من مضمونه‏ ,‏ وقصره على أهل مكة وبعض قرى جنوب الحجاز من حولها واعتباره معارضا للعديد من النصوص القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد عالمية الرسالة الم الخاتمة وذلك من مثل قول ربنا تبارك وتعالى مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم : " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً " (الأعراف‏:158) .وقوله تعالى‏: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ "‏ (الأنبياء‏:107) وقوله عز من قائل‏: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ "‏ (سبأ‏:28) وقوله وهو أحكم القائلين‏:‏" تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً " (الفرقان‏:1) .‏ ومن مثل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم‏ : "‏ أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ‏" وذكر منهن ‏: " وكان النبي قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " (البخاري‏ ,‏ النسائي‏)ولكن العلوم المكتسبة في تطورها المذهل في العقود القليلة الماضية جاءت لتؤكد توسط الحرم المكي الشريف من اليابسة كلها‏ ,‏ وعلى نمو اليابسة من جزيرة بركانية واحدة وسط محيط غامر‏ .‏ وتؤكد الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة أن هذه الجزيرة البرة الأولى كانت أرض مكة المكرمة‏ .‏ وهناك من النصوص الشرعية والشواهد الحسية العديدة ما يؤكد خصوصية الحرم المكي‏ ,‏ وكرامته‏ ,‏ وشرفه والتي يمكن إيجازها في النقاط التال‏(1‏) توسط الحرم المكي الشريف من اليابسة التي تتوزع حول هذا الحرم توزعا منتظما كما أثبت ذلك الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين رحمه الله في دراسته العلمية الجادة لتحديد اتجاهات القبلة من المدن الرئيسية في العالم‏ ,‏ والتي نشرت في العدد الثاني من المجلد اللمجلة البحوث الإسلامية الصادرة بمدينة الرياض سنة ‏1395‏هـ‏ /1975‏م(2‏)‏ انعدام الانحراف المغناطيسي عند خط طول مكة المكرمة‏ (39,817‏ شرقا‏)‏ كما ثبت في البحث المشار إليه آ(3‏) وجود أركان الكعبة المشرفة في الاتجاهات الأربعة الأصلية تماما‏ (4) تفجر عين زمزم وسط صخور نارية ومتحولة مصمطة وفيضانها لنحو أربعة آلاف سنة‏ (منذ سنة ‏1824‏ ق.‏م(5‏) ثبوت الطبيعة النيزكية لكل من الحجر الأسود ومقام إبراهيم مما يثبت أنهما من أحجار السماء‏ ,‏ كما قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل ألف وأربعمائة سنة‏ ,‏ وذلك في أكثر من حديث نبوي شرهذه الحقائق لم تتوصل العلوم المكتسبة إلى شيء منها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏ ,‏ وورودها في كتاب الله وفي أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل ألف وأربعمائة سنة مما يقطع بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏ ,‏ ويشهد للرسول الخاتم اللقاه بالنبوة وبالرسالة‏ ,‏ فصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين‏ .‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏مكة مركز يابسة العالم

 

المساحة والهندسة :

علم المساحة والخرائط من العلوم الأساسية التي تعنى بالإسقاط الفعلي للمشروع الهندسي على أرض الواقع كما تعنى بالخرائط الكنتورية التي تستخدم في إسقاط المشاريع الهندسية .

وهنا يبدر سؤال مهم وهو ما السر الذي جعل مكة المكرمة المكان الذي يختاره الله تعالى ليكون مكان بيته الحرام ومبعث آخر أنبياءه محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا الأمر لا نعرف على وجه التحديد جوابه فهو من أمر الله وغيب الله ، إلا أننا قد نجد في بعض بحوثنا التي تجود بها قرائحنا وعقولنا القاصرة بعض الأجوبة التي قد تشبع فضولنا وشغفنا وعطشنا لعلم الله الذي لا نهاية له . ففي حقل الجيولوجيا الهندسية هنالك ما يعرف بعلم المساحة والخرائط ، وفي هذا العلم الجميل والواسع استطاع فريق علمي يرأسه الدكتور حسين كمال الدين أستاذ المساحة في إثبات أن مكة المكرمة هي مركز اليابسة في الكرة الأرضية ، وقد كان هدفه في البداية الوصول إلى وسيلة تساعد أي مسلم من تحديد مكان القبلة من أي مكان هو فيه في الأرض (قلنا في الأرض وليس على الأرض لأن الغلاف الجوي تابع لكوكب الأرض وعليه يكون الإنسان دائما داخل الأرض إلا إذا نفذ إلى الفضاء) إلا أنه توصل أثناء بحثه إلى ما يشبه النظرية الجغرافية بأن مكة المكرمة هي مركز لدائرة تمر بأطراف جميع القارات ، فقد اتجه إلى رسم خريطة الكرة الأرضية تحدد عليها اتجاهات القبلة فبعد أن قام برسم القارات حسب أبعاد كل الأماكن على القارات الستة وموقعها من مدينة مكة المكرمة ثم أوصل بين الخطوط المتساوية مع بعضها ليعرف كيف يكون إسقاط خطوط الطول وخطوط العرض عليها ، فتبين له أن مكة المكرمة هي بؤرة هذه الخطوط ، ثم رسم خطوط القارات وسائر التفاصيل على هذه الشبكة واستعان في بحثه بالعقل الإلكتروني لتحديد المسافات والانحرافات المطلوبة ، ولاحظ أنه يستطيع أن يرسم دائرة يكون مركزها مكة المكرمة وحدودها خارج القارات الأرضية ومحيطها يدور مع حدود القارات الخارجية ، وتوصل في نظريته إلى مغزى الحكمة الإلهية من اختيار مكة المكرمة مكانا لبيت الله الحرام (عن مجلة العربي العدد 237 أغسطس 1978) . وقد أكدت هذه النظرية التي وضعت في السبعينيات صور الأقمار الصناعية وتحليلاتها الطبوغرافية وطبقية وجغرافية الأرض التي أجريت في هذا العهد التسعيني للقرن العشرين الميلادي .

وحول هذا الموضوع يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام :

((وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)) ‏ ‏(الآية رقم 92) فلماذا مكة أم القرى ؟ . ولماذا أطلق الله تعالى على بقية الأرض لفظ من حولها ؟ . وكان الأمر يتعلق بمركز ما والأفلاك التي تدور حوله ، لنرى ماذا يفصل برنامج المعجزة الخالدة هذا الموضوع .

فضّل الله جلّ وعلا بعض الأماكن على بعض كتفضيل مكة على سائر بقاع العالم لتكون مركزا لظهور الدين الخاتم وانتشاره إلى باقي بقاع الأرض . ومعلوم أن عدد قارات العالم في الأرض سبع قارات منها خمس مأهولة بالسكان والقارتان القطبيتان خاليتان من الحياة البشرية وكذلك من المعروف أن الرقم (7) ذو أهمية كبيرة في الحقائق الكونية فهناك سبع قارات وسبعة ألوان طيف وسبع سموات (إذ أن آخر تقسيم علمي فلكي لطبقات السماء هو سبعة – من محاضرة الدكتور أنيس الراوي بعنوان الكيمياء الذرية) ، أما في القرآن فإن الرقم سبعة له دلالة وأهمية عظيمة .

فضّل الله تبارك وتعالى مكة وكرمها حين جعلها مركز جذب الإشعاعات الروحية ، مركزا يحج إليه المسلمون من كل فج عميق ، وشاءت إرادة الله تبارك وتعالى أن يوضع أول بيت للناس لعبادته وحده لا شريك له في مكة ، فهي وجهة الناس ومتجههم في الحج والعمرة وهي ذات موقع متوسط في العالم إذ أنها تمثل المعنى والمفهوم الجغرافي لوسطية الأمة الإسلامية كما قال تعالى: ((‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)) ‏ ‏(البقرة 143) وهي وسطية في الإسلام شاملة المعاني ، وسطية في التمتع بطيبات الحياة دون إفراط أو تفريط ، وسطية في الأمور العامة والخاصة فلا تبذير ولا تقتير ، ثم أنها وسطية بالموقع والمكان ولذلك اختارها الله تبارك وتعالى لتكون مهبط خاتم رسالاته . ومكة كما هو معروف تحتل موقعا متميزا منذ أقدم العصور ، وهي حتى الآن منطقة عبور القوافل التجارية .

مكة مركز التجمع الإشعاعي للتجاذب المغناطيسي بالكرة الأرضية

نعود ونتكلم بعض الشيء عن الجغرافية وعلم المساحة والخرائط الذي سبق أن أشرنا إليه فنقول : تطور علم الخرائط تطورا كبيرا بعد اختراع الأقمار الصناعية وسفن الفضاء ، وهي التي قامت ولا تزال بتصوير وجه الكرة الأرضية من أبعاد واتجاهات مختلفة وظهرت حقائق علمية عديدة لم تكن معلومة للإنسان عن مساحات ، ومسافات ، وتضاريس لقارات ، وبحار ، وجزر ، ومحيطات . وتوضع على الخرائط الجغرافية خطوط ودوائر ، أما الخطوط فهي خطوط الطول وهي عبارة عن خطوط يتصورها العلماء على سطح الكرة الأرضية ، وتصل فيما بين القطبين ، وخط الطول الأساسي فيها يأخذ رقم الصفر ، وهو الخط المار بضاحية غرينتش بالقرب من لندن ، وعدد خطوط الطول هذه هو 360 خطا نصفها شرق غرينتش ، والنصف الآخر غربه ، تساعد هذه الخطوط على تحديد المكان على سطح الكرة الأرضية . وأما الدوائر فهي دوائر يتصورها العلماء على وجه الأرض ومنها دائرة أو خط الاستواء ، وتقع في منتصف المسافة بين القطبين ودرجتها الصفر ، ثم توجد دوائر موازية لخط الاستواء هذا عند 90 درجة شماله وكذلك 90 درجة جنوبه ، والمسافة بين دوائر العرض واحدة تقريبا على خرائط العالم ، أما فائدتها فهي معرفة بعد الموقع محددا بالدرجات عن خط الاستواء شمالا أو جنوبا .

وحديثا استطاع العلماء أن يتحققوا من وسطية مكة المكرمة بواسطة الصور الحقيقية التي يصورها القمر الصناعي عندما يلتقط صورا للكرة الأرضية مبتعدا عن سطحها بما لا يقل عن مائة كيلومتر في الفضاء وهو البعد الذي تستطيع أجهزة التصوير بالقمر الصناعي أن تلتقط صورا للكرة الأرضية مشتملة على القطبين . وباستعمال أجهزة التكبير في فحص هذه الصور الحقيقية تتضح وسطية مكة بين أقصى يابسة في القطب الشمالي ، وأقصى يابسة في القطب الجنوبي. وفي النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي ، قام أحد العلماء الأمريكان والمتخصص في علم الطبوغرافيا بإجراء بحوث استنتج منها أن مكة المكرمة هي المركز المغناطيسي للكرة الأرضية ، وقد قامت بحوث هذا العلم على أساس ظاهرة كونية موجودة منذ خلق الكون ، وهي ظاهرة التجاذب في ما بين الأجرام السماوية (التجاذب المتبادل فيما بينها) ، وتصدر فاعلية هذا التجاذب من مراكز هذه الأجرام أي الكواكب والنجوم ، والكرة الأرضية شأنها شأن أي كوكب آخر ، تصدر قوة جذبها للأشياء من مركزها في باطنها ، وهي النقطة أو المركز الذي درسه ذلك العالم الأمريكي وتحقق من وجوده وموقعه والمكان الذي يدل عليه على سطح الأرض ، وإذا به يجد أن موقع مكة هو الموقع الذي تتلاقى فيه الإشعاعات الكونية ، وأعلن بحوثه هذه دون أن يدفعه على إجرائها أو إعلانها أي وازع ديني ، وبعد ذلك نشرت جريدة الأهرام القاهرية في عددها الصادر بتاريخ 4/2/1977م. نبأ العالم المصري الدكتور حسين كمال الدين الذي كان يعمل آنذاك رئيسا لقسم المساحة التصويرية بجامعة الرياض في السعودية ، تذكر فيه أنه توصل لنفس النتيجة التي توصل إليها العالم الأمريكي ، وهي أن مكة مركز التجمع الإشعاعي للتجاذب المغناطيسي بالكرة الأرضية.

 

بقلم الدكتورة مواهب الخطيب