الحيوانات في القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
مقالة في اعجاز القران (عالم الحيوان)
(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ
يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ
مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)
في هذه
الآية يبين القران الكريم ان الحيوانات ارضية كانت أو هوائية هي امم امثال الناس,
السؤال المطروح هنا ما هي الشباهة بين المجتمع الحيواني وبين المجتمع الإنساني؟
هل ان الشباهة هي في الكثرة ام التزاوج ام النسل ام
الكون والفساد؟ قد يصدق كل هذا لان من اعجاز القران ان كل اية لها العديد من
المصاديق ولكن ما يذهب اليه السيد العلامة الطباطبائي في كتابه الميزان المجلد
السابع عندما يبين تفسير هذه الآية يقول لا يمكن الحصر المجدد هذه الشبهات بدليل
ذيل الآية (ثم إلى ربهم يحشرون)
وهنا يطرح في الاذهان اسئلة أخرى أكثر هو للمحاسبة
والمحاسبة فرع التكليف والتكليف فرع الاختيار والاختيار فرع الارادة والارادة فرع
الشعور فهل يوجد مثل هذا للحيوانات وقد ثبت للانسان؟
وبعد كل هذا قاعدة اللطف تقتضي ارسال رسل مبينين
لنوع التكليف فهل للحيوانات رسل؟
يجيبنا العلامة على بعض هذه التساؤلات قائلا:
الامعان في التفكر في اطوار الحيوانات العجم التي
تزامل الإنسان في كثير من شئون الحياة، واحوال نوع منها في مسير حياتها وتعيشها
يدلنا على ان لها كالانسان عقائد واراء فردية واجتماعية تبني عليها حركتها
وسكناتها في ابتغاء البقاء ما يبني الإنسان تقلباته في اطوار الحياة الدنيا على
سلسلة من العقائد والاراء فالواحد منها يشتهي الغذاءو النكاح والولد اوغير ذلك، أو
يكره الضيم أو الفقر أو غير ذلك وياتي من مبتغيات حياته من الحركات المنظمة التي
يحتال بها على رفع حوائج نفسه في الغذاء والكون والفساد والماوى بما لا نشك به في
ان له شعورا بحوائجه وما يرتفع به حاجته، واراء وعقائد ينبعث بها إلى جلب المنافع
ودفع المضار كما في الإنسان، ربما عثرنا فيها من انواع الحيل والمكائد للحصول على
الصيد والنجاة من العدو من الطرق الاجتماعية والفردية مالم ينتبه اليه الإنسان إلى
بعد طي قرون واحقاب من عمره النوعي.
- اشارة علمية:
وقد عثر
العلماء الباحثون في كثير من انواعه كالنحل والنمل والارضة على عجائب من اثار
المدينة والاجتماع، ودقائق من الصنعة ولطائف من السنن والسياسات لا تكاد توجد
نظائرها الا في الامم ذوي الحضارة والمدينة الانسانية.
وقد حث القران الكريم على معرفة الحيوان والتفكر في
خلقها واعمالها عامة كقوله تعالى: ] وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ
آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [ ودعا الاعتبار بامر كثير منها كالاعمال والطير
والنحل والنمل.
وهذه الاراء والعقائد التي نرى ان الحيوان على
اختلاف انواعها في شؤون الحياة ومقاصدها تبني عليها اعمالها اذا لم تخل عن الاحكام
الباعثة والزاجرة لم تخل عن استحسان امور واستقباح امور ولم تخل عن معنى العدل
والظلم.
وهو الذي يؤيده ما نشاهده من بعض الاختلاف في افراد
أي نوع من الحيوان في اخلاقها، فكم بين الفرس والفرس وبين الكبش والكبش وبين الديك
والديك مثلا من الفرق الواضح في صورة الخلق أو سهولة الجانب ولين العريكة.
وكذا يؤيده جزيئات اخرى من حب وبغض وعطوفه ورحمه أو
متسوه أو تعد وغير ذلك مما تجدها بين الافراد من نوع وقد وجدنا نظائرها بين افراد
الإنسان، ووجدناها مؤثرة في الاعتقاد بالحسن والقبح في الافعال، والعدل والظلم في
الاعمال ثم انها مؤثرة أيضا في حياة الإنسان الاخروية، وملاكا لحشرة ومحاسبة
اعماله والجزاء عليها بنعمة أو نقمة اخروية.
وببلوغ البحث هذا المبلغ ربما لاح لنا ان للحيوا
نحشرا كما ان للانسان حشرا فان الله سبحانه وتعالى يعد انطباق العدل والظلم
زالتقوى والفجور على اعمال الإنسان ملاكا للحشر ويستدل به عليه كما في قوله تعالى:
( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ
كَالْفُجَّارِ)
فهل للحيوان غير الإنسان حشر إلى الله سبحانه كما ان
الإنسان حشرا اليه؟ ثم اذا كان له حشرا فهل يماثل حشر حشرة الإنسان فيحاسب اعماله
وتوزن وينعم بعد ذلك في جنة أو نار على حسب ما له من التكليف في الدنيا وهل
استقرار التكليف الدنيوي عليه يبعث الرسل وانزال احكام وهل الرسول المبعوث إلى
الحيوان من النوع نفسه أو انه انسان؟
هذه اسئلة تنسبق للذهن يجيبنا العلامةالطباطبائي
عنها متتالية:
اما السؤال
الاول (هل للحيوان غير الإنسان حشر؟) فقوله تعالى في الآية (ثم إلى ربهم يحشرون)
يتكفل الجواب ويقرب من قوله ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ)
بل هناك آيات كثيرة جداً داله على أعادة السماوات
والأرض والشمس والقمر والنجوم والجن والحجارة والاصنام وسائر الشركاء المعبودين من
دون الله والذهب والفضة حيث يحمى عليها في نار جهنم والاصنام وسائر الشركاء المعبودين
من دون الله إلى غير ذلك من الايات كثيرة لا حاجة إلى ايرادها والروايات في هذا
المعنى لا تحصى.
واما السؤال الثاني وهو انه هل حشره حشر الإنسان
فيبعث وتحضر اعماله ويحاسب عليها فينعم أو يعذب بها؟ فجوابه ان ذلك لازم الحشر
بمعنى الجمع بين الافراد وسوقهم إلى امر بالازعاج، واما مثل السماء والأرض وما
يشابههما من شمس وقمر وحجارة وغير قلم يطلق في موردها لفظ الحشر كما في قوله
تعالى: ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا
لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَر)
على ان الملاك الذي يعطيه كلامه تعالى في حشر الناس
هو القضاء الفصل بينهم فيما اختلفوا فيه من الحق قال تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)
ومرجع الجميع إلى انعام المحسن والانتقام من الظالم
بظلمه ويلزم من شمول الاخذ والانتقام يوم القيامة لسائر الحيوان ان يساوي الإنسان
في الشعور والارادة، ويرقى الحيوان إلى درجة الإنسان في نفسياته وروحياته والضرورة
تدفع ذلك والاثار بارزة منها ومن الإنسان
تبطل.
وذلك ان مجرد الاشتراك في الاخذ والانتقام والحساب
والاجر بني الناس وغيره لا يقضي بالمعادلة والمساواة من جميع الجهات كما لا يقتضي
الاشتراك في ما هو اقرب من ذلك بين افراد الإنسان انفسهم ان يجري حساب اعمالهم من
حيث المداقة والمناقشة مجرى واحدا فيوقف العاقل والسفيه والرشيد والمستضعف في موقف
واحد على انه تعالى ذكر من بعض الحيوان من لطائف الفهم ودقائق النباهة ما ليس بكل
البعد من مستوى الإنسان المتوسط الحال في التعقل كالذي حكى عن نملة سليمان بقوله: (
حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا
النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ
وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)
وما حكاه من قول هدد له في قصته غيبته عنه : (فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ
وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ
وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا
يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ
أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ)
فان الباحث النبيه اذا تدبر هذه الايات بما يظهر
منها من اثار الفهم والشعور لها ثم قدر زنته لم يشك في ان تحقق هذا المقدار من
الفهم والشعور يتوقف على معارف جسمه وادراكات متنوعة كثيرة من بساط المعاني
ومركباتها.
وربما ايد ذلك ما حصله اصحاب معرفة الحيوان بعميق
مطالعاتهم وتربياتهم لانواع الحيوان المختلفة من عجائب الاطوال التي لا تكاد تظهر
الا من موجود ذي ارادة لطيفة وفكر عميق وشعور حاد.
واما السؤال الثالث والرابع اعني انه: هل الحيوان
يتلقى تكليفه في الدني برسول يبعث اليه ووحي ينزل عليه؟ وهل هذا الرسول المبعوث
إلى نوع من انواع الحيوان من افراد ذلك النوع بعينه؟ فعالم الحيوان إلى هذا الحين
مجهول لنا مضروب دونه بحجاب فالاشتغال بهذا النوع من البحث مما لا فائدة فيه ولا
نتيجة له الا الرجم بالغيب والكلام الالهي على ان ما يظهر لنا من ظواهره غير معترض
لبيان شيء من ذلك ولا يوجد من الروايا ت الماثورة عن النبي [والائمة من اهل بيته ما يعتمد عليه من ذلك.
قفد تحصل ان المجتمعات الحيوانية كالمجتمع الانساني
فيها مادة الدين الالهي ترتضع من فطرتها نحو ما يرتضع الدين من الفطرة الانسانية
ويمهدها للحشر إلى الله سبحانه كما يمهد
دين الفطرة الإنسان للحشر والجزاء، وان كان المشاهد من حال الحيوان بالقياس إلى الإنسان
وتدبره الايات القرانية الناطقة بتسخير الاشياء للانسان وافضليته من عامة الحيوان ,ان
الحيوان لم يؤت تفاصيل المعارف الانسانية ولا كلف بدقائق التكاليف الالهية التي
كلف بها الإنسان.
الآية 38 من سورة الانعام تدل على ان المجتمعات
الحيوانية التي توجد بين كل نوع من انواع الحيوان انما تاسست على مقاصد نوعية
شعورية يقصدها كل نوع من الحيوان على اختلافها بالشعور والارادة كالانسان.
وليس ذلك
مقصورا على المقاصد الطبيعية اعني مقاصد التغذي والنمو والنسل المحدود وبهذه
الحياة الدنيا بل ينبسط ذيله على ما بعد الموت ويتهيا به إلى حياة اخرى ترتبط
بالسعادة والشقاء المرتضعين من ثدي الشعور والارادة.
فالاية على
هذا تفيد بنحو الخصوص ما يفيده بنحو العموم، قوله تعالى: (وما كان عطاء ربك
محظورا) وقوله تعالى: (ما من دابة الا هو
ماخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم)
وان كان هو القران الكريم وقد سماه الله كتابا في مواضع من كلامه كان
المعنى ان القران المجيد لما كان كتابا هداية يهدي إلى صراط مستقيم على اساس بيان
حقائق المعارف التي لا نحنى عن بيانها في الارشاد إلى صريح الحق ومحض الحقيقة لم
يفرط فيه في بيان كل ما يتوقف على معرفته سعادة الناس في دنياهم واخرهم كما قال
تعالى : (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)
لقد حث المولى الناس إلى معرفة الحيوان والنظر في
الايات المودعة في وجوده ابلغ النرب وعد ذلك موصلا إلى أفضل النتائج العلمية
والملازمة للسعادة الانسانية وهو اليقين بالغ سبحانه حيث قال : (وفي خلقكم وما بيث
من دابة ايات لقوم يوقنون)
والايات في الحث على النظر في امر الحيوان كثيرة في
القران الكريمز
وكذلك الروايات تشير إلى ان النظر في قلفت الحيوان
يوصلنا إلى قدرت مبدع الاكوان كما يشير إلى ذلك مولى الموحدين علي أمير المؤمنين ×حين
قال:
(ابتدعاهم خلقا عجيبا من حيوان وموات وساكن وذي
حركات واقام من شواهد البينات على لطيف صنعته وعظيم قدرته وما انقادت له العقول
معترفة به ومسلمة له ونعفت في اسماعنا دلائله على وحدانيته، ولما ذرا من مختلف صور
الاخيار التي اسكنها اخاديد الارض وخروق فجاجها ورواسي اعلامها من ذات اجنحة
مختلفة وهيئات متباينة مصرفة في زمام التسخير ومرفرفة باجنحتها في مخارق الجو
المنمسح، والفضاء المنفرج، كونها بعداد لم تكن في عجائب الصور ظاهرة وركبها في
حقاق مفاصل محتجبة
وضع بعضها بعبالة خلقه ان يسمو في الهواء خفوفا،
وجعله يدف دفيفا ونفسقها على اختلافها في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه
ومنها مغموش في لون صبغ قد طوق بخلاف ما صغ به.
كلام علي× في عجيب خلقة الطاووس:
من اعجبها خلقا الطاووس الذي اقامه في احكم تعديل
ونضد الوانه في احسن تنضيد نجناح اشرج قصبة اذنب اطال مسحبه اذا درج إلى الانثى نشره
من طيه وسما به مطلا على راسه كانه قلع داري عنجه، نوتيه يختال بالوانه ويميس
بزينانه يفضي كافضاء الديكة ويؤر بملاحقة الفحول المغتلمة للضراب.
احيلك من
ذلك على معاينة لا كمن يحيل على ضعيف اسناده ولو كان كزعيم من يزعم انه يلقخ بدمعة
تسفحها مدامعه فتقفا في ضفتي جفونه وان اشاه تطعم ذلك ثم تبيض لا من لقاح ، ولو
كان كزعم من يزعم انه يلقح بدمعة تسفحها مدامعه فتقف في ضفتي جفونه وان انحاه تطعم
ذلك ثم تبيض لا من لقاح فحل سوى الدمع المنبجس لما كان ذلك باعجب من مطاعمة الغراب
يخال قصبه مداري من فضة وما انبت عليها من عجيب دارته وشوسه خالص العقيان وفلذا
الزبرجر فان شبته بما انبتت الارض قلت: جنى جني من زهرة كل ربيع وان ضاهيته
بالملابس فهو كموشي الحلل أو كمونق عصب اليمن وان شاكلته بالحلي فهو كالفصوص ذات
الوان قد تطقت باللجين المكلل
ومما قاله ×في عجائب خلق الحشرات:
سبحان من ادمج قوائم الذرة والهمجة إلى ما فوقها من
خلق الحيتان والفيلة وراى على نفسه الا يضطر شبح مما اولج فيه الروح الا وجعل
الحمام موعده والفناء غايته.
الرفق بلحيوان
بسم الله الرحمن الرحيم
إن المطلع على سلوك الناس في الغرب
الأوروبي أو الأمريكي، أو من عاش أو يعيش فيما بينهم، يراهم ينشئون جمعيات للرفق
بالحيوان، ومنظمات لحقوق الحيوان، وما شابهها، في حين أنهم يصعقون الحيوان
بالكهرباء لقتله، أو يطلقون النار عليه، أو يضربونه بآلات حديدية على رأسه، بل
والبعض يقوم بسلخ جلود الحيوانات وهى حية..!! هذا، إضافة إلى أن التاريخ يروي
حكايات مضحكة وتصرفات ساخرة للشعوب الغربية، ومن الأمثلة لذلك ما تعرّض له الحيوان
والحشرات من أحكام قضائية ونفي وتشريد، فلقد مثلت الديدان البيضاء (وهى من آفات
التربة الخطيرة) في عام 1449م أمام المحكمة الكنسية في لوزان (بسويسرا) وحُكم
عليها بالنفي... ولم تنته محاكمات الحرمان والنفي ضد الحشرات والحيوانات والطيور
التي كانت تجريها السلطات الدينية في أوروبا إلاّ في بداية القرن الثامن عشر
الميلادي..!! وبالرغم من كل هذا يتهمون الإسلام بالقسوة على الحيوان، ويتهمون
المسلمين بالتجرد من الرحمة حين يذبحون الحيوان بغرض الطعام، أو لأضحية، أو
لعقيقة، أو لغيرها من الأغراض المشروعة...
وعلى النقيض من هذا، نرى بعض أهل الشرق
من الهندوس وغيرهم يعلون من قدر الحيوان حتى أنهم يعبدون أصنافا كالبقر... إلاّ أن
الإسلام، وهو دين الوسطية في كل منحى من مناحي الحياة، كانت شريعته – ولا تزال –
معتدلة، فيها الرفق والرحمة والحقوق للحيوان، وفيها أيضا حسن الاستفادة منه
والإفادة به.
وهناك العديد من أوجه الرحمة في العناية
بالحيوان في الشريعة الإسلامية، ولعلّ القرآن الكريم حين يصف أصنافا من الحيوان
بالنعم والأنعام فإنه يكرّم هذه المخلوقات، كما تسمّت سور عديدة بأسماء عدد من
الحيوانات، كسور البقرة والأنعام والنحل والنمل... إلخ. كما ذكر العديد من
الحيوانات والطيور وربطها القرآن بالإنسان عامة، وبالكثير من الأنبياء والصالحين
خاصة، واستعملها القرآن الكريم كمضرب للأمثال، مثل: ناقة صالح، حوت يونس، غنم داود،
هدهد ونمل سليمان، وطير إبراهيم... كما ضُرب بالحمار مع الرجل الصالح دليلا على
"البعث"، وضُرب المثل بالكلب في مواقف، وبالذباب في مواقف، وبالطير في
مواقف...إلخ
وأوضح القرآن الكريم في العديد من آياته
مكانة الحيوان، وحدد موقعه لخدمة الإنسان، فبعد أن بيّن الله تعالى في سورة النحل
قدرته في خلق
السماوات والأرض، وقدرته في خلق الإنسان، أردف قائلا: (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا
دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ{5} وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ
تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ{6} وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ
تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ
رَّحِيمٌ{7} وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً
وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{8}) [سورة النحل]. ويقول في نفس السورة
أيضا: (وَاللّهُ
جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ
بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ
أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ{80})...
ووردت آيات قرآنية تدعو إلى وجوب
الاهتمام بالحيوانات ورعايتها، فهى مخلوقات عجماء لا يمكنها أن تطلب أكلا أو تنادي
على سقيا، ومن هذه الآيات قول الله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ
مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى{53} كُلُوا وَارْعَوْا
أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى{54}) [سورة طه]، وقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ
الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ
وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ{27} [سورة السجدة]، وقوله تعالى: أَخْرَجَ
مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا{31} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا{32} مَتَاعاً لَّكُمْ
وَلِأَنْعَامِكُمْ{33}) [سورة النازعات]...
ونهى الإسلام حتى عن سبّ الحيوان
والطير، مجرّد سبّه باللفظ، فقد روى أبو داود وابن حبان عن زيد بن خالد الجهني عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا تسبوا الديك، فإنه يوقظ للصلاة). وعند
ابن حبان في صحيحه: (.. فإنه يدعو للصلاة)... كما أن هناك العديد من الأحاديث
النبوية التي تكرّم بعض الحيوانات، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبدالله
بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الخيل معقود بنواصيها
الخير إلى يوم القيامة). ووقع في رواية ابن إدريس عن حصين في هذا الحديث من
الزيادة قوله صلى الله عليه وسلم: ( والإبل عزّ لأهلها، والغنم بركة)...
وعندما حرّمت الشريعة الإسلامية أكل
لحوم المنخنقة والموقوذة والنطيحة والمتردية وما أكل السبع إن لم يدركه الإنسان
بالتذكية (أي الذبح)، كان من أهم أهداف هذا التحريم وجوب المحافظة على الأنعام
ورعايتها حتى لا تتعرّض لمخاطر تؤدي إلى موتها دون الانتفاع بها...
هذا الدين الحنيف هو الذي ضرب للعالمين
المثل الأعلى في الرحمة والرفق بالحيوان، حتى جعل القسوة عليه بابا لدخول النار،
فحرّم إرهاقه بالأثقال والأعمال الشاقة، وحرّم التلهي بقتل الحيوان، كالصيد
للتسلية لا للمنفعة، ونهى عن كي الحيوانات بالنار في وجوهها للوسم (للإشارة
والترقيم مثلا)، أو تحريش بعضها على البعض بقصد اللهو أو التربّح المالي، وأنكر
العبث بأعشاش الطيور وإحراق قرى النمل.... إلخ... وهذا الرسول الكريم محمد بن
عبدالله صلى الله عليه وسلم هو أول من دعى إلى الشفقة بالحيوان، والرفق به،
ومساعدته في مطعمه ومشربه، وفي صحته ومرضه، بل وأثناء ذبحه... وهذه الشريعة
الغرّاء هى التي قننت للحيوان حقوقا، لم تعرفها غيرها من الشرائع، ولم يصل إلى
بعضها البشر، على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم، الشريعة التي كانت أساسا في بناء
حضارة عالمية لمع نجمها طوال ألف عام – تقريبا – في أنحاء العالم، وتعلم منها
القاصي والداني الفضائل والقيم والحقوق والواجبات والعلم والتكنولوجيا...
وفي كتابه "السنّة مصدرا للمعرفة
والحضارة" يوضّح العلامة الدكتور يوسف عبدالله القرضاوي كيف دفع الإسلام نحو
المحافظة على الأجناس الحية للمخلوقات من الانقراض، ويقول:.. ونجد ذلك صريحا في
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها،
فاقتلوا منها الأسود البهيم)، أي شرارها والتي تعضّ الناس... فهذا الحديث النبوي
الشريف يشير إلى حقيقة كونية قررها القرآن الكريم، وهى أن الكائنات الحية الأخرى –
غير العاقلة – لها كينونتها الاجتماعية الخاصة، التي تميّزها عن غيرها، وتربط
بعضها بالبعض، وبتعبير القرآن الكريم كل منها أمة مثلنا، يقول الله تعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ
طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي
الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ{38}) [سورة الأنعام ]... ويشير الدكتور
القرضاوي إلى أن المثلية التي ذكرها القرآن الكريم لا تقتضي المشابهة في كل شئ،
فالمشابه لا يقتضي أن يكون كالمشبه به في جميع الوجوه، بل في وجه معين يقتضيه
المقام، وهو هنا (الأممية) فكل منها أمة لها كيانها واحترامها، وحكمة الله تعالى
في خلقها وتمييزها عما سواها من الأجناس والأمم الأخرى... فأمة النمل غير أمة
النحل، غير أمة العنكبوت، وأمة الكلاب غير أمة القطط، غير أمة أبناء آوى...
ومادامت أمة فلا ينبغي أن تستأصل، لأن هذا ينافي حكمة الله سبحانه في خلقها.
• لماذا اهتمّ الإســــلام بالحيوان:
فيما يلي أبرز الأسباب التي من أجلها
دعى الإسلام إلى الاهتمام بالحيوان والطير:
1) يدعو الله تعالى في آيات القرآن
الكريم المتعلقة بالحيوانات، الإنسان إلى النظر في بديع خلقه وعظيم صنعه، ويدعوه
في ذات الوقت إلى دراسة هذه الكائنات، وأخذ العبر والعظات من سلوكياتها المختلفة،
في مثل قوله تعالى: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ
كَيْفَ خُلِقَتْ{17}) [سورة الغاشية].
2) العمل على استخدام هذه الحيوانات،
وإجراء الدراسات والبحوث التي تهدف إلى استغلال أقصى ما يمكن استغلاله من طاقات
هذه الحيوانات، مع العناية بها والحفاظ عليها وعلى أنواعها من الانقراض، وذلك لأن
كثيرا من اعتماد الإنسان في غذائه يكون على الحيوانات.
3) لم يأت ذكر الحيوان في القرآن الكريم
بأسمائه فقط، بل أورد القرآن الكريم حقائق علمية عنه، وتلك الحقائق عديدة، منها
مثلا: لهاث الكلب، تكوين اللبن في الحيوان المجتر، التفكك الأسري في بيت
العنكبوت... إلخ.
4) ارتباط الإنسان منذ أن خلق
بالحيوانات، يأكل من لحومها، ويشرب ألبانها، ويستعمل جلودها بيوتا له، ويستدفئ
بأصوافها وأوبارها وفرائها، فيقول الله تعالى: (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا
دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ{5} [سورة النحل]، ويقول: وَالْخَيْلَ
وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ
تَعْلَمُونَ{8}) [سورة النحل]... كما يتخذ الإنسان من
منتجات هذه الحيوانات دواء لأمراضه، كما يقول الله تعالى: (ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ
فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ
أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ{69}) [سورة النحل]، حتى أن أول مرة تعلم
فيها الإنسان كيف يدفن إنسانا ميتا، كانت عن طريق محاكاته للغراب، كما قال قال
الله في ذلك: (فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ
يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ
هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ{31}) [سورة المائدة]... كما تعلم الإنسان من
الحيوانات البكور في السعي على الرزق، وتعلم كثيرا من نظم حياة الأسر، وتقنيات
الحرب والدفاع، والصبر على العمل، كالنحل والإبل، وبناء المنازل وهندستها، كما
تفعل الطيور، ونظام المعيشة وادخار الأقوات، كما يفعل النمل... وتعلم الطيران من
الطائر حتى وصل الإنسان إلى اختراع الطائرة يحاكي بها الطائر... كما تعلم الإنسان
من الحيوانات المائية والبرمائية كثيرا من الصناعات والاختراعات، كالسفن والغواصات
وغيرها...
5) يذكر الله تعالى في العديد من آيات
القرآن الكريم بعض الحيوانات، ليضرب بها المثل في موضوع ما، حتى يقرّب المطلوب إلى
ذهن الإنسان، ومن بين هذه الآيات قول الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ
اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ
الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{41}) [سورة العنكبوت]...
لهذه الأسباب، وغيرها، شرّف الله تعالى
الحيوانات بإطلاق أسماء بعضها على سور القرآن الكريم، ومنها السور الطويلة مثل
سورة البقرة، وسورة الأنعام، وسورة النحل، والسور المتوسطة كسورة النمل، وسورة
العنكبوت، ومنها السور القصيرة، كسورة العاديات (أي: الخيل)، وسورة الفيل... إضافة
إلى ذكر أكثر من تسع وتسعين نوعا من أنواع الحيوانات والطيور والحشرات التي لا
تزال بيننا إلى الآن...
• ما ورد في الأحــاديث النبوية من
حقــوق للحيوان:
1) الرحمــة والرفــق بالحيوان:
شملت الرحمة في الإسلام كل مناحي
الحياة، وعمّـت جميع المخلوقات، حتى أن الحيوانات التي أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم بقتلها كان الأمر لسبب إيذائها وخطورتها على الإنسان، فحين قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ( أربع كلهن يقتلن في الحلّ والحَرَم: الحدأة، والغراب،
والفأرة، والكلب العقور) أخرجه البخاري ومسلم، واللفظ له، وفي لفظ لمسلم، أيضا،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خمس فواسق يُقتلن في الحلّ والحَرَم: الحية،
والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحدأة)، فإن قتلها لما يتحقق به مصلحة
الناس، لأن الغالب في طباعها الضرر والأذى، فإذا لم يصدر منها ذلك فلا داعي لقتلها
أو إزهاق أرواحها... وهناك أحاديث نبوية بالنهي عن قتل حيوانات أخرى، ومن ذلك ما
رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن قتل أربع
من الدواب: النمل، والنحلة، والهدهد، والصّرد) أخرجه أبو داود وابن ماجه
والدارمي...يقول الشيخ حسنين مخلوف (مفتي الديار المصرية الأسبق) – رحمه الله (في
كتابه " الرفق بالحيوان في الشريعة الإسلامية"): وردت أحاديث في الرفق بأفراد
وبأصناف معينة من الحيوانات، ولكن الحكم عام في سائرها... ثم ذكر أحاديث في الإبل
والخيل والغنم والطيور والهرر والكلاب، وقال: هذه الأحاديث تدلّ على أنه لا فرق
بين مأكول اللحم منها وبين غير مأكول اللحم، من حيث الرفق بها والتحذير من
تعذيبها. وقال: إن على ولاة الأمر تعزير من يقسو على الحيوان، لأنه كما يقول ابن
خلدون (في مقدمته)، يدخل في باب وظيفة الحسبة في الدولة الإسلامية.
وقد يقول قائل: إن الإسلام أمر بالرفق
بالحيوان من ناحية، ومن ناحية أخرى بقتل خمس منها في الحلّ والحَرَم، وسمّاهن
فواسق؟ يقول الشيخ مخلوف (نقلا عن الكاساني، في كتابه "بدائع الصنائع"):
إن علة الإباحة في قتلها هى الابتداء بالأذى والعدو على الناس، وهذا المعنى موجود
في الحيوانات المفترسة كلها، وكذلك في الهوام (الخطرة) والحشرات (الضارة)، فيقاس
عليها لأنها من باب المؤذيات، ولذلك فإن الحديث الشريف سمّى بعضا منها، كالكلب
العقور، والغراب، والحدأة، والحيّة (والعقرب)، والفأرة، بالفواسق.
واتسعت دعوة الإسلام للرحمة بالحيوان
إلى الأمر حتى شملت الرحمة الحيوان حتى وإن لم تصلنا منه منفعة مباشرة، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (عُذبت امرأة في هرّة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها
النار، لا هى أطعمتها ولا سقتها، إذ حبستها، ولا هى تركتها تأكل من خُشاش الأرض)
أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه... وخشاش الأرض هو ما
تعثر عليه الهرة وتجده مناسبا لطعامها، كالحشرات وغيرها... وأخرج البخاري وأبو
داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بينا
رجل يمشي فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثم خَرَج، فإذا هو بكلب يلهث،
يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خُفّـه ثم أمسكه
بفيه ثم رقى، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له)، قالوا: يا رسول الله: وإنّ لنا
في البهائم أجرا؟ قال: ( في كل كبد رطبة أجر)... ولهذا الحديث روايات عديدة.
وبالرغم من أن الكلب هنا قد يكون من الكلاب غير النافعة، إلاّ أن دعوة الإسلام إلى
الرحمة شملته، ففي الحديث دعوة إلى رفع المعاناة عن الحيوان، حتى وإن تطلّب الأمر
من الإنسان بذل جهد. وبالتالي، فإن ذلك الرجل استحقّ الشكر من الله، وغفران
ذنوبه...كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع
زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلاّ كان له به صدقة) رواه مسلم...
وإذا كان الله سبحانه قد شبّه الذين
ضلوا عن سبيل الحق، بالرغم من وضوحه لهم، وحادوا عنه عنادا من عند أنفسهم، فقال:
... (فَمَثَلُهُ
كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث
ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{176}) [سورة الأعراف]، فإن هذا ليس ذمّا
للكلب، أو تحقيرا له، بل ذمّ وتحقير لمن ضلّ عن سبيل الله، ولم يقم بالدور المنوط
به، من الناس الذين عاشوا عيشة الحيوان الضال، ولم يعيشوا أدوارهم هم...
الفصل الثاني:الرفق بلحيوان
الاسلام والرفق بلحیوان
ومن الأحاديث النبوية الشريفة التي تأمر
برحمة الإنسان للحيوان، ما روى عن سهل بن الحنظلة قال: مرّ رسول الله صلى الله
عليه وسلم ببعير قد لصـــق ظهره ببطنه – من شدّة ضعفه وهزاله – فقـــال: ( اتقوا
الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة)، وفي رواية: (
اركبوها صحاحا، وكلوها سمانا). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينا رجل يسوق
بقرة إذ ركبها فضربها، فقالت: إنّـا لم نُخلق لهذا، بل خُلقنا للحرث...) رواه أبو
داود.
ومن رحمة الإسلام بالحيوان، ومنها حيوانات
الركوب، نهى رسول الله ص عن المُكث فوق ظهورها طويلا، فقال صلى الله عليه وسلم
فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: ( إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر، فإن الله
تعالى إنما سخّرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلاّ بشقّ الأنفس، وجعل
لكم الأرض، فعليها فاقضوا حاجاتكم). وعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( اركبوا هذه الدواب سالمة، وابتدعوها
سالمة، ولا تتخذوها كراسي). وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم مرّ على قوم وقوف
على ظهور دوابهم ورواحلهم يتنازعون الأحاديث، فقال صلى الله عليه وسلم: ( لا
تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فربّ مركوب خير من راكبه). وفي مسند
أحمد بن حنبل، ومستدرك الحاكم النيسابوري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا
تتخذو ظهور دوابكم كراسي)... وفي هذا نهى عن قضاء أوقات السمر والحديث فوق ظهور
الدواب، رحمة بها، وإنما تتخذ هذه الدواب لقضاء الحاجات الضرورية، كالسفر وحمل
الأثقال المناسبة، وما شابه هذا أو ذاك...
2) النهي عن القسوة وتحميل الحيوان ما
لا يطيق:
القسوة نقيض الرحمة، وقد تعرّفنا على
طرف من الهدي النبوي في الرحمة بالحيوان، فكيف نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن القسوة على الحيوان ن أو تجويعه وضعفه وهزاله ؟؟ عن عبدالله بن جعفر رضي الله
عنه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم، فأسرّ إلىّ حديثا لا
أحدّث به أحدا من الناس، وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم–
لحاجته: هدف أو حائش النخل، فدخل حائطا لرجل من الأنصار، فإذا جمَل، فلما رأى
النبي صلى الله عليه وسلم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي ص فمسح سراته إلى سنامه
وذفراه، فسكن، فقال: ( من ربّ هذا الجمل؟)، فجاء فتى من الأنصار، فقـــال: لي يا
رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أفلا تتقي الله في هذه البهيمة
التي ملّكك الله إياها؟! فإنه شكا إلىّ أنك تجيعه وتدئبه) رواه أبو داود وأحمد.
تدئبه: أي تتعبه وترهقه... وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تبارك
وتعالى رفيق يحبّ الرفق، ويرضى به، ويعين عليه ما لا يعين على العنف، فإذا ركبتم
هذه الدواب العُجم – أي التي لا تتكلم - فأنزلوها منازلها – أي أريحوها في المواضع
التي اعتدتم الاستراحة فيها أثناء السفر ) رواه مالك...
كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالتمهّل في المسير بالدواب في حالة الخصب، حتى تأخذ حقها من الطعان والشراب،
ولكمه نهى عن ذلك في حالة الجدب، بل أمر الصحابة بالإسراع في المسير إنقاذا لهذه
الحيوانات من البقاء في أرض لا يُرجى لها فيها طعــام أو شــــراب، فقال صلى الله
عليه وسلم: ( إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حقها، وإذا سافرتم في الجدب
فأسرعوا السير...) رواه أبو داود.
3) عـدم وسـم الحيوانات أو تعذيبها أو
اتخاذها أغراضا للرمي:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
تحريق الحيوان حيّا، فقد ورد أنه رأى قرية نمل قد أحرقها مجموعة من الصحابة، فقال
لهم: (من أحرق هذه؟)، فقالوا: نحن، قال: ( إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلاّ الله)
أخرجه أبو داود. كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رمي الحيوانات بصيد، فقد روى
جابر بن عبدالله رضي الله عنه حديثا نبويا قال فيه: نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يُقتّــل شئ من الدواب صبرا (رواه مسلم في صحيحه). وروى مسلم، أيضا، عن
عبدالله بن عباس رضي الله عنه أن رسول الله قال: ( لا تتخذوا شيئا فيه روح غرضا)،
أي هدفا للضرب والتصويب، أي هدفا للتسلية أو للتدريب على الرماية والصيد. ورأى أنس
غلمانا ربطوا دجاجة، وأخذوا يرمونها بنبالهم، فقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن
تُصبّر البهائم (أي تُتخذ هدفا) رواه البخاري في صحيحه. وروى مسلم عن سعيد بن جبير
قال: مرّ ابن عمر رضي الله عنه بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وقد
جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر رضي
الله عنه: من فعل هذا؟ ! لعن الله من فعل هذا !! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعن من اتخذ شيئا في الروح غرضاً....
وفي نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن تصبّر البهائم، قال النووي – رحمه الله – في شرح صحيح مسلم: قال العلماء: صبر
البهائم: أن تحبس وهى حيّة لتقتل بالرمي ونحوه، وهو معنى: لا تتخذوا شيئا فيه
الروح غرضا، أي لا تتخذوا الحيوان الحي غرضا ترمون إليه، كالغرض من الجلود وغيرها،
وهذا النهي للتحريم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في رواية ابن عمر بعد
هذه: ( لعن الله من فعل هذا)، ولأنه تعذيب للحيوان وإتلاف لنفسه، وتضييع لماليته
وتفويت لذكاته إن كان مذكى، ولمنفعته إن لم يكن مذكى. اهـ.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن وسم الحيوانات في وجوهها، بالكي بالنار، أي كيّـها بالنار لتمييزها بين
الحيوانات الأخرى، فقد مرّ صلى الله عليه وسلم على حمار قد وُسِم في وجهه، فقال: (لعن
الله الذي وسَمه) رواه الطبراني. كما روى ابن حبان في صحيحه عن جابر رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على حمار قد وُسم على وجهه (أي كُوى لكي يُعلّم)
فقال: (لعن الله الذي وسَمه). ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوسم حماره
في جاعرتيه (أي الوركين حول الدبر)، اتقاء للوجه وتكريما للحمار، وهو حيوان...وعن
جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه، فقد
مرّ أمام النبي صلى الله عليه وسلم حمار قد وُسم وجهه (أي رُسمت على وجهه علامة
بالكيّّ )، فقال: (أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها، أو ضربها في
وجهها؟).
4) النهى عن قتل الحــيوان إلاّ لضرورة،
والنهى عن التمثيل به:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
قتل أي حيوان دون سبب مشروع أو عذر مقبول، فقد روى أحمد في مسنده أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: ( من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة وله صراخ تحت العرش،
يقول: ربّ سل هذا فيم قتلني من غير منفعة). روى النسائي وابن حبان عن عمرو بن
الشريد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من قتل عصفورا عبثا عجّ
إلى الله عزّ وجلّ يوم القيامة يقول: يا ربّ إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني
لمنفعة). وفي رواية أخرى عن عبدالله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها – بغير حقّها – إلاّ يسأله الله يوم القيامة)،
قيل: يا رسول الله: وما حقّها؟ قال: ( حقّها أن تذبحها فتأكلها، ولا تقطع رأسها فترمي
به). وفي رواية أخرى: ( ما من إنسان قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلاّ سأله
الله عزّ وجلّ عنها)، قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال: ( يذبحها فيأكلها ولا يقطع
رأسها ويرمي بها) رواه النسائي والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي.
الفصل الثالث:مصاديق للحيوانات التي
دكرت بلقران
الذئب
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى:قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي
أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ
غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً
لَخَاسِرُونَ) (يوسف:13 - 14) ويقصد هنا بالذئب عل العموم(أي الجنس) وتطرقت
الآيات للحديث عن سلوك العدوان الذي تتميز به الكلبيات وفي الآيات قال يعقوب عليه
السلام (أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون) وسلوك العدوان هذا يخضع لحالتين:
السيادة أو الإذعان فإما يذعن إن أحس بالخوف والقوة من الجانب الآخر ( ونحن عصبة)
أو يسود إذا أحس بخوف الجانب الآخر ودائماً تجد الكلبيات تركض وراء من يهرب وتهرب
مممن يركض ورائها. والذئب أكبر أفراد عائلة الكلبياتCanine التي تضم كذلك
الكلاب والثعالب وبنات آوى والقيوط. تتزاوج الذئاب في فصل الشتاء ومدة الحمل 65
يوما وتلد الأنثى مابين جرو الى احد عشر جرواً في كل ولادة وتكون الجراء عمياء
صماء عند ولادتها. والذئاب نوعان : الرمادى ويعيش في غابات المنطقة المعتدلة
الشمالية، وجسمه مغطى بفراء رمادى مرشوش بالأسود و بطنه وأرجله بيضاء مصفرة.
والنوع الثاني هو الأحمر ذو الفراء البني المحمر وهو اصغر من النوع الأول في
الحجم، وهذا النوع يصطاد في جماعات ويصيد الثدييات الكبيرة كالغزال المرقط والدب
الكسلان والدب الأسود، وقد تصل شراهتها إلى قتل النمور.يمتلك الذئب حواس قوية،
فالبصر والشم والسمع شديدة الحساسية لدرجة أنه يمكنه رؤية وشم رائحة غزال على بعد
1600 متر، والكلبيات عموماً لها أربع أصابع فقط في أرجلها الخلفية وهي غير قادرة
على تسلق الأشجار لكنها عداءة ماهرة.
لطيفة: ومن عجيب أمر الذئب انه إذا نام
أن يناوب بين عينيه فينام بإحداهما حتى إذا نعست الأخرى نام وفتح بها الثانية
قال الشاعر: ينام بإحدى مقلتيه ويتقي
بأخرى المنايا فهو يقضان نائم
12. الذباب Flies : قال تعالى يَا
أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ
يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ
وَالْمَطْلُوبُ) (الحج:73) وإليكم تعليل لضرب الذباب مثلاً فوجد أن الذباب يحوي
زغب على جسمه وأرجله يستطيع أن يسلب أي شيء يحط عليه فتعلق به حبوب الطلع لذا يساهم
في تلقيح الأزهار والنباتات ويتحدى رب العالمين أن يستنقذ أي إنسان ما يسلبه
الذباب منه حيث لديه خرطوم يمتص به ما يسلبهم إياه ويهضمه في فمه خلال ثوان فلا
يستطيع أحد استرجاعه(فضعف الطالب والمطلوب) وفي الهدي النبوي مثل آخر للذباب حيث
قال صلى الله عليه وسلم:" إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه
فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء "(رواه البخاري) حيث وجد أن الذباب شديد
التقاط الأوساخ من بيوض ديدان وطفيليات و جراثيم ممرضة من بكتيريا وفيروسات وخاصة
فيروسات ملتهمات البكتيريا(Bacteriophages) التي تتخصص كل نوع منها في القضاء على نوع معين من البكتيريا
وحتى على فصيل(Species) معين من نفس نوع البكتيريا أو حتى على نوع مصلي (Serotype) معين من ذلك
الفصيل وأضرب مثلاً للفيروس الذي يلتهم البكتيريا الممرضة الآية الكريمة التي تقول
وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
(الأنعام:129) ويتجلى الهدي النبوي بأن نغمس الذبابة كلها لأنه لا ندري في أي جناح
توجد هذه الـ Bacteriophages وتتواجد الـ ((Bacteriophages بالطبيعة بشكل رئيسي في المجاري (Sewage) ويبلغ قطرها 20-
25 مليميكرون وللعلم أصبح الآن شغل الشاغل للشركات الدوائية لتصنيعه تجارياً لعلاج
الأمراض عوضاً عن المضادات الحيوية ومشاكل المقاومة فيها . والعجيب أن الذبابة
كانت مادة بحث لكثير من العلماء الغرببيين وتم دراسة فطر يتطفل على الذبابة
المنزلية يدعىAmbus musci وتم عزل عدة مضادات حيوية من فطريات الذبابة مثل (Javacin,Clutizin,Aniatin) والذبابة
حشرة ذات أجنحة شفافة، وهي من رتبة ذوات الجناحين.وتضم الذبابة زهاء ثمانين ألف
نوع تتوزع في كل بيئة يستوطنها البشر وبعض الذباب شبيه بالنحل أو الزنابير
بأجسادها وألوانها.أرجل الذبابة المنزلية Musca domestica مغطاة
بالشعر وتنتهي بوسائد ماصة تمكنها من الالتصاق بالأسطح الملساء فتراها تسير مقلوبة
فوق سقف الحجرة، ويحمل هذا الشعر المنتشر على أرجلها الجراثيم من القاذورات التي
تهبط عليها. ولها دبوس توازن في مكان الجناحين الخلفيين اللذان يوجدان في الحشرات
الرباعية الأجنحة، وهما يحفظان توازنها أثناء الطيران، وهو ذو شكل مغزلي ويتكون من
ساق رفيعة تنتهي بكتل نسيجية كثيفة وفي قاعدة كل دبوس 418 مستقبل عصبي للحركة تعمل
على حفظ توازنها.
وللذبابة خرطوم يمتص الطعام ولها لسان
فإذا صادفت الذبابة طعاما صلبا كالسكر تصب عليه من ريقها فيذوب فيمتصه الخرطوم
ولها عيون كبيرة تحتوي على عدد كبير جداً من العدسات السداسية مما يتيح لها الرؤية
من جميع الجهات. وتكاثرها سريع حيث تضع في المرة الواحدة ماقد يبلغ مائة وخمسين
بيضة. والذبابة عضوية الأكل سواء كان حيواني أم نباتي(Omnivorous) وهي تنشط
فوق درجة حرارة 10ْ م وفي الجو البارد لليوم الحار وتشبه البعوض في تصنيفها وتركيب
جسمها وفي بعض العادات مثل عادة التقيؤ(Regurgitation) وتستطيع
الذبابة الطيران مدى 3-4كم من نقطة انطلاقها أو أن تسافر مسافة 34كم.ومجموع ما
تضعه من بيوض أكثر من 500 بيضة ويخفق قلبها 1000مرة / الدقيقة.
13. طائر السلوى(السماني)Quail :قال
تعالىوَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ
وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ
كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (البقرة:57) ويذكر القرآن أنه كان منة من الله
على بني إسرائيل كل أيام الأسبوع ما عدا السبت فيتزودوا بطعامه ما يكفيهم ثم سئلوا
الأدنى فأخذه عنهم. وقد كان السلوى الذي أعطاه الله لبني إسرائيل يأتي لأحدهم
مشوياً فيأكله ثم يتركه عظاماً فيعود طيراً بإذن الله . والسمانيمن العائلة
الدجاجية يتواجد في كل العالم خاصة في الجزر مثل مدغشقر واليابان وغينيا الجديدة
ونيوزيلندا والفليبين وتعتبر من المهاجرات ودجن بعضها للتربية والتسمين طوله 13-
26سم ويختلف من بلد لآخر وتختلف فصائلها وله عدة ألوان تعيش في أسراب(كل سرب يحوي
100 طائر) وهو احادية التزاوج كالحمام.
بسم الله الرحمن الرحِيِم
""" وَأَوْحَى رَبُّكَ
إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ
وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ
رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ
شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
(69)"""" سورة النحل الأيتان 68-69.
هاتان الآيتان الكريمتان تبين لنا أدق
التفاصيل العلمية التي أكتشفها العلم الحديث في أسلوب حياة هذا النوع من الحشرات
ذات النظام الرائع، نظام لا نملك تجاهه إلا أن نقول "تبارك الله أحسن
الخالقين" وفيما يلي جانب من التعبيرات القرآنية الرائعة التي جاءت في تناسق
واتفاق تام مع ما أثبته العلم الحديث القائم على الملاحظات الدقيقة بالتقنيات
والأدوات الحديثة .
- ورد لفظ النحل في الآيات الكريمة
مؤنثاً (اتَّخِذِي، كُلِي، فَاسْلُكِي، بُطُونِهَا) بَيْد أنه في اللغة العربية
مذكر,حيث نقول هذا النحل وليس هذه النحل،ومثله تماما لفظ النمل، وفى قوله تعالى
" يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ" جاء لفظ النمل
مذكراً,ولم يأتي مؤنثاً مثل الحال مع النحل, ولكنه كلام الله بلسان عربي مبين،
فكيف يصح ذلك ؟؟!!
هذا الوحي الرباني موجه لمجموعة من
النحل داخل الخلية النحلية مهمتها الكشف والبحث عما تحتاجه الخلية، تسمى هذه
المجموعة بالنحل الكاشف، وهى إناث وليست ذكور,بل إن كل الأعمال داخل الخلية
وخارجها يقتصر فقط على الإناث دون الذكور وينحصر دور الذكور فقط في تلقيح ملكة
النحل،بل قد تلجأ الخلية إلى طرد الذكور خارجها بعد تمزيق أجنحتها لضمان عدم
العودة إلى الخلية, وذلك فى حالات ندرة الغذاء توفيرا لطاقة الخلية، ولهذا وردت
الألفاظ مؤنثة مطابقةً لما أثبته العلم الحديث، منافيةً لما اعتادت عليه ألسنة العرب،
حتى ندرك أن كلام الله صالح لكل مكان وزمان .
- مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ
الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ, حرف الجر "من" أفضل وأدق من حرف
الجر" في" حمل معنى الجزئية والكيفية والمكانية, فحشرات النحل تستخدم
الأجزاء المحيطة بالعش كدُعمات له،تقيها قسوة الظروف المناخية، وتبني عليه أقراص
العسل، فمثلا فى حال الجبال،أفاد لفظ "من الجبال" أن مكان السكن هو
الجبال وجزءً من المسكن مشتق من الجبال, وهو ما يفعله النحل فعلاً, لكن حرف الجر
"في" يفيد المكانية فقط (مكان السكن) . - الترتيب في قوله تعالى, من
الجبال, من الشجر, مما يعرّشون، جاء مطابق تماما لحفريات النحل, فدلت الحفريات
الجولوجية للنحل،أن أول ما سكنت حشرات النحل فى العصور السحيقة، سكنت الجبال، ثم
تطوّرت وسكنت الأشجار، وأخيرا سكنت ما صنعه لها الإنسان عندما بدأ يستأنسها (جذوع
أشجار مفرغة, ثم اسطوانات من الطين, وأخيراً مكعبات من الخشب)،
- وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، معنى يشمل جذوع
الأشجار المفرغة والاسطوانات الطينية، التي كانت معروفة في زمن نزول القران وحتى
وقتنا القريب وهى السكن الوحيد الذي أخترعه الإنسان للنحل حتى ذلك الحين, بالإضافة
للخلايا الخشبية الحديثة المختلفة في الشكل والمحتوى الداخلي من تجهيزات) التي
ظهرت حديثاً بعد اكتشاف المسافة النحلية ( المسافة اللازمة للمرور النحل بين أقراص
العسل). فكلمة يعرشون شملت كل أنواع المساكن الحديثة والقديمة, ولو كان الكلام من
عند غير الله لجاء على غير هذا النحو، مثلا" مما يكورون" كما كان معروف
آنذاك من تكوير لاسطوانات الطين.
- ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ،
حرف الجر "ثم" يفيد الترتيب والتعقيب مع التراخي في تسلسل الأحداث، ما
سبق "ثم " هو اتخاذ السكن و ما تلها هو النشاط وأكل الثمار, وهذا ما
يحدث تماماً، فبعد اسقرار مجموعة النحل في المسكن الجديد يمكث النحل مدة قد تطول
أو تقصر لا يزاول فيها نشاطه المعتاد حتى يتأكد من آمان مكان السكن ثم يبدأ فى
مزاولة حياته طبيعيا من جمع للرحيق وصناعة العسل.
- لفظ " كُلِي " يبدو غريبا,
لأن الحاضر في الذهن عند ذكر النحل هو العسل، والعسل يُشرَب، وتصنعه النحلة من
الرحيق وهو سائل ؟؟!!
ولكن المعنى ليس لذلك، بل المعنى لما
أثبته العلم الحديث, أن النحل يأكل ويشرب ( ذو أجزاء فم قارض ماص) والأكل يكون
لحبوب اللقاح (المصدر البروتينى للنحل) التي يجمعها من الأزهار، والشرب يكون
للرحيق (المصدر الكربوهيدراتي) ولهذا اقترنت كلمة (كلي) بكلمة الثمرات و الثمرة
أصلها حبة اللقاح وهو ما يأكله النحل !!!!!!
- وقوله تعالى (كُلِّ الثَّمَرَاتِ )
أفاد عموم الثمر دون استثناء،وما من ثمرة إلا وكانت حبة لقاح،وما من حبة لقاح إلا
ويأكلها النحل، ولو كان القرآن من عند غير الله لقيل الثمرات الحلوة مثلا أو لم
تُذكَر كلمة الثمرات أصلا،لأنها حقيقة مكتشفة حديثا بعد تطور الميكرسكوبات وأجهزة
الرؤية الدقيقة ً... ولكنه هو الخالق وهو القائل، وجاءت شبه الجملة " مِنْ
كُلِّ " للتبعيض على مستوى النوع الواحد ( نوع الثمرة) لإن النحل لا يأكل كل
الثمرة، بل جزءً من أصل الثمرة، في حين انه يأكل جميع أنواع الثمار وليست الثمار
الحلوة فقط.
- فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ
ذُلُلا،الفاء للترتيب والسرعة، لأن النحل في هذه اللحظة التي تصفها الآية (بعد
الأكل من كل الثمرات) لا يتلكأ في العودة إلى الخلية بل يعود بسرعة وفى نشاط
ليفرّغ ما جمعه فى خليته ليعود ثانيةً للجمع وهكذا حتى ينتهي النهار.
- " فَاسْلُكِي سُبُلَ " هذه
الجملة تدل على أن النحل له مسالك محددة فى الهواء كتلك الخاصة بالطائرات، وهذا ما
دل عليه العلم الحديث، أن النحل قد يبعد عن خليته مسافات طويله تصل إلى ثلات كيلو
مترات وحتى لا يتوه في العودة (لأن صغر حجم النحلة, مع كبر حجم النباتات، وطول
المسافة،قد يزيد فرص توهان النحل عن مقصده) ولذلك يستخدم الشمس (علامات جوية) في
تحديد اتجاهاته بالإضافة لأنواع معينة من الروائح يفرزها على النباتات (علامات
أرضية) وبذلك تكون عنده طرق ومسالك خاصة به، بين الخلية وموقع النشاط، فلا يخطئ
مقصده أبداً .
- يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ
مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ،هذه الآية لا تشير إلى العسل فقط
كما يعتقد البعض, بل لكل منتجات النحل النافعة الشافية بإذن الله وكل هذه المنتجات
سائلة (شراب) كما عبرت عنه الآية الكريمة، فمثلا العسل سائل، و سم النحل سائل،
والغذاء الملكي (الرويال جلى) سائل، وشمع النحل أصله عند الخروج من الحلقات
البطنية لشغالات النحل سائلا، ثم يتصلب عن ملامسة الهواء)، وكلها سوائل ذات منافع
طبية منها ما عُرِفت فائدته منذ القِدَم، ( مثل العسل ) ومنها ما هو عُرِف حديثا (
مثل الغذاء الملكي)،ومنها ما عُرِفت فائدته قديماً وازدادت المعرفة بقيمته الطبية
حديثاً مثل سم النحل، وكلمة ألوانه تصف الشراب فكل هذه الأشربة (السوائل) في
مجملها مختلفة في الألوان ( بمعنى الأنواع, فهي عسل، وغذاء ملكات، و سم نحل ......
) وكل نوع منها مختلف فى الألوان (بمعنى الشكل،فهو فاتح، أو قاتم، أو أبيض، عديم
اللون ....) على حسب مصدر الرحيق وسلالة النحل، فجملة " شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ
أَلْوَانُهُ " شملت ما هو معروف قديما وحديثا، فالمعنى مستقيم على مر العصور
قال تعالى في سورة النحل :﴿ وَأَوْحَى
رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ
الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾سورة النحل : آية رقم 68
بعض الاكتشافات الحديثة في عالم النحل
أكّد فريق فرنسي من علماء البيئة، لدى
مركز دراسات السلوك الفطري عند الحيوانات، في خبر نشرته جريدة "
الطبيعة" بتاريخ 18/06/ 2004...(1)،
أنّهعلىالرغم من أنّ النحل يملك جهازاً عصبياً بسيط للغاية إلاّ أنّه
بإمكانه أن يستوعب ويدرك الأشكال المرئية تماماً كما يفعله البشر وغيرهم من
الحيوانات الذكية.
و لقد لاحظ هذا الفريق من العلماء، بعد
سنوات من التجارب، أن النحل يدرك الصور والأشكال الطبيعية المعقدة بطريقة غريبة
أكثر ممّا يوحي لنا حجم دماغها الصغير. فالجهاز العصبي لنحلة واحدة يحتوي على ما
لا يزيد عن 950000خلية عصبية، يمكنه أن يفرّق ببراعة بين أشكال وخطوط هندسية
موّجهة بصفة متفرقة، فهذه الحشرة التي متوسط عمرها هو أربعون يوماً (2) بإمكانها
أن تفرّق بين هذه الخطوط الهندسية حتى ولو كانت هذه الخطوط محصورة داخل أشكال
هندسية معقدّة التكوين ! الإنسان العاقل بإمكانه أن يفعل ذلك أيضا لكن بدماغ يحوي
100مليار خلية عصبية ! و بعبارة أخرى :
بدل أن تحدد النحلة شجرة أو جذع أو كهف ثم
تخزن أشكال هذه الصور في ذاكرتها
لاستعمالها لاحقا كما تفعل باقي الحيوانات أو الحشرات الأخرى، فإنها تدرك هذه
الأشياء بإشكالها التي تحددها ! و هذه الطريقة في إدراك الأشياء الطبيعية لا توجد
إلاّ عند البشر ! كما لو أنّ النحل لا يسير وفقاً لغريزة ولكن وفقاً لإلهام، كل
هذا أدى بالباحثين الفرنسيين إلى تساؤلات عديدة من بينها :
من الذي قاد النحل إلى التصرف وفقاً
لهذا السلوك الغير اعتيادي لدى
الحشرات؟!
و من أوجد في عقولهم الصغيرة هذا
التوجيه البديع في رؤية الأشكال الطبيعية ؟ توجيه يتعدى عتبة الفطرة و السلوك
التعودي؟
قام الفريق العلمي الذي يترأسه
الباحث مارتن جيورفا بتدريب مجموعة من
النحل في الفضاء على إستعاب أربع مضلّعات:
واحدة أفقية وواحدة عمودية و اثنان قطرية
موجهة نحو اتجاهات عديدة ومختلفة. وعبر هذه التجارب تمكنت مجموعة النحل هذه من
التعرّف على كل الأشكال الهندسية بصفة محيرة للعلماء، أدى بهم لطرح سؤال مفاده: من
أين لهم هذه القدرات الهائلة لتحليل الصور الهندسية المعقدة؟
وجه الإعجاز في الآية الكريمة.
في الآية رقم 68من سورة النحل نجد كلمة
"أوحى" و هي كلمة جاء ذكرها في
القرآن الكريم أكثر من أربعين، و لهذه الكلمة معنيين:الوحي بمفهومه المعهود لدينا
و هو وحي كلام الله إلى رسله و أنبيائه كما قال عز و جل في سورة النساء ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا
إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ
وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ سورة النساء : آية 163 ، و المعنى الثاني هو الوحي
بمفهوم " الإلهام" كما جاء في
قوله تعالى من سورة طه ﴿ إِذْ أَوْحَيْنَا
إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ﴾ سورة طه : آية
رقم 38، والوحي في هذه الآية جاء بمعنى
الإلهام و كذا بالنسبة للآية أعلاه من سورة النحل. وقال إبن كثير في تفسير
هذه الآية ( الْمُرَاد بِالْوَحْيِ هُنَا الْإِلْهَام وَالْهِدَايَة وَالْإِرْشَاد
لِلنَّحْلِ أَنْ تَتَّخِذ مِنْ الْجِبَال بُيُوتًا تَأْوِي إِلَيْهَا وَمِنْ
الشَّجَر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ هِيَ مُحْكَمَة فِي غَايَة الْإِتْقَان فِي
تَسْدِيسهَا وَرَصّهَا بِحَيْثُ لَا يَكُون فِي بَيْتهَا خَلَل) وقال الطبري أيضا
: (وَأَلْهَمَ رَبّك يَا مُحَمَّد النَّحْل إِيحَاء إِلَيْهَا) وذهب القرطبي إلى نفس ما ذهب إليه ابن كثبر
والطبري، فقال في تفسيره: ( قَدْ مَضَى الْقَوْل فِي الْوَحْي وَأَنَّهُ قَدْ
يَكُون بِمَعْنَى الْإِلْهَام, وَهُوَ مَا يَخْلُقهُ اللَّه تَعَالَى فِي الْقَلْب
اِبْتِدَاء مِنْ غَيْر سَبَب ظَاهِر)
إن الله يخبرنا في كتابه المنزه أنّ
النحل تدرك أشكال بيوتها من أشجار وجبال وفقاً لإلهام قذفه بحكمته تعالى في قلوبها
وليس وفقاً لسلوك تعودي أو عادات مكتسبة، فراحت هذه المخلوقات الصغيرة تصنع العجب
العجاب، وراحت تعجز الإنسان و علومه، وتصنع له أطيب وأنفع وأشفى شراب على وجه
الأرض ! أليس هذا ما توصل إليه الباحثون الفرنسيون بعد أربعة عشر قرناً من بعد وحي
الله لرسوله الكريم؟! كيف يمكن لبشر عاش في بيئة صحراوية بدائية أن يظهر حقيقة
علمية كهذه إن لم يكن نبياً رسولا؟! حقيقة علمية كلّفت إنسان القرن الواحد
والعشرين سنوات عديدة و تجارب كبيرة لإثباته ا؟! و لو اقتفى هذا الفريق من العلماء
آثار هذه الحشرة الصغيرة لوجد أنّ إلهامها
يقودها إلى أن تتبع سبل من ألهمها وصدق سبحانه إذ قال
: ﴿ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً
يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ ﴾ سورة النحل: آية رقم 69
هنالك أشياء كثيرة اكتشفها العلم الحديث
في عالم النحل، والذي يتأمل هذه الاكتشافات يجدها تملأ مجلدات ضخمة، ولكن المؤمن
تكفيه الإشارة ليزداد إيماناً بعظمة الخالق عز وجل.
ومن الأشياء العجيبة التي قرأتها
الأسلوب الذي تدافع به النحل عن الخلية وكيف تحميها من الأعداء. وربما يكون من ألد
أعداء النحلة هو «الدبور». فالدبور يجد في خلايا النحل وجبة شهية من العسل، ويبدأ
بالهجوم.
وبمجرد الاقتراب من الخلية تبدأ النحلات
بالتجمع حول هذا الدبور وتلتف من حوله وتحيط به من كل جانب، ولكن وبسبب الحجم
الكبير للدبور نسبة لحجم النحلة فإن هذه المهمة تتطلب عدداً كبيراً من النحل.
ويختفي الدبور تماماً وسط النحلات الهائجة والمدافعة عن بيتها وخليتها.
العجيب أن النحلات تقضي على الدبور
بطريقة تقنية مذهلة! فبعد تغليف هذا الدبور بغلاف من النحل تقوم كل نحلة بهزّ
جناحيها بسرعة كبيرة وهذا يؤدي إلى رفع درجة حرارة جسمها حتى 47 درجة مئوية بسبب
الاحتكاك، ولكن لماذا هذه الدرجة بالذات؟
إن الدرجة 47 هي أقصى درجة تستطيع
النحلة أن تتحملها وتعمل عندها، لأن النحلة تموت بعد ذلك عندما تصل حرارة جسمها
إلى 49 درجة. إن الدرجة القصوى التي يتحملها الدبور هي أقل من 45 درجة مئوية،
وبالتالي سوف يموت في الحال بفعل الحرارة التي تولدها رفرفات أجنحة النحل أي عندما
تصل درجة حرارته إلى 45 درجة، وبهذه الطريقة الحرارية يتم القضاء على الدبور
وحماية الخلية!!!
أسئلة حيرت العلماء
وهنا يطرح العلماء أسئلة عديدة ولا
يجدون الإجابة عنها:
- كيف علمت النحلة أن جسمها لا يتحمل
أكثر من 47 درجة فتبلغ هذه الدرجة بالضبط؟
- وكيف علمت النحلة أن الدبور سوف يموت
عندما تبلغ درجة حرارته 45 درجة؟
- من الذي علم النحلة هذه التقنية
المتطورة للقضاء على الخصم؟ ومن الذي زودها بجهاز لقياس درجة الحرارة فتحدد
بواسطته الدرجة 47 ولا تتجاوزها، ومن الذي أخبرها أنها ستموت لو تخطت هذه الدرجة؟؟
- ولماذا تحمي النحلة الخلية من خطر هذا
الدبور؟ وما هو الميزان الذي حددت به النحلة درجة الحرارة المناسبة، فهي أعلى
بدرجتين من الحرارة التي يموت عندها الدبور، وأخفض بدرجتين من الحرارة التي تموت
عندها النحلة!!!
تأمل كيف أن الدبور يموت عند الحرارة 45
درجة مئوية، وأقصى حرارة تتحملها النحلة هي 47 درجة مئوية، فمن الذي زود النحلة
بجهاز إنذار يحذرها أن تتوقف عند هذه الدرجة لأن بعدها الموت؟! وهل نجد في القرآن
إجابة شافية؟
ماذا عن القرآن؟
إنها أسئلة فشل العلماء في الإجابة عنها
حتى الآن، ولكن القرآن العظيم حدد لنا في آية من آياته الأسلوب الذي يجعل النحلة
تقوم بكل هذه الأشياء، وهو وجود مدبر حكيم هو من أوحى إليها بهذه المعلومات، يقول
تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) [النحل: 68].
وفي هذه الكلمات الإلهية سر للعمليات
التي تقوم بها النحلة وهو أن الله تعالى هو الذي أوحى إليها وعلمها، وهذا ما نجده
في كلمة (أَوْحَى). والله تعالى لم يقل (علّم) إنما قال (أوحى) لأن النحلة لا
تتعلم هذه التقنية تعلماً!!! بل هي موجودة في تركيبها وفطرتها، وهذا يدل على دقة
ألفاظ القرآن.
هنالك وسائل زود الله بها النحلة لقياس
درجة الحرارة وتحديد الدرجة المناسبة لقتل الدبور، وذلّل لها الله تعالى الطريق
التي تسلكها في صناعة العسل وفي الحفاظ عليه وحمايته من الأعداء، وهذا ما نجده في
قوله تعالى: (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا) [النحل: 69].
وإذا تأملنا كلمة (ذُلُلًا) نجد أنها
تشير إلى أن الله تعالى هو من ذلّل لها الطريق لتنجز مهمتها في صناعة العسل الذي
جعل الله فيه شفاء للناس، ولولا أن الله هو من علم هذه النحلات كيف تدافع عن عسلها
لما وصلنا منه شيء!!
هل نتفكّر؟
وهذا يدعونا للتفكر في دقة صنع الخالق
عز وجل، ولذلك نجد العلماء في كل يوم يكتشفون حقائق جديدة عن النحل، وهذا يدل على
أن الإنسان عندما يتفكر في عالم النحل فسوف يكتشف الكثير من الحقائق، ولذلك قال
تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل: 69].
إن الذي خلق هذه النحلة هو الذي هداها
إلى هذه التقنية! يقول تعالى على لسان سيدنا موسى مخاطباً فرعون الذي أنكر وجود
الله: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه:
50].
لنتأمل النص القرآني: (وَأَوْحَى
رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ
الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي
سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ
فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
[النحل: 68-69].
مجتمع النمل وتشابهه مع الإنسان
من الآيات الدالّة على عظمة الله سبحانه
وتعالى ، أن النمل يتشابه مع الإنسان في أشياء كثيرة ، فالنمل كما قال بعض العلماء
المتخصصين في الحشرات : يبني المدن ، ويشقُّ الطرقات ، ويحفر الأنفاق ، ويخزِّن
الطعام في مخازن وفي صوامع ، أو في مستودعات ، وبعض أنواعه يقيم الحدائق ، ويزرع النباتات
.
ومن النمل ، نملٌ يحتفظ بمواشٍ خاصةٍ له
، يأخذ من رحيق ما في بطنها ، وتشنُّ بعض قبائل النمل حروباً على قبائل أخرى ،
ويأخذ المنتصر من هذه القبائل بعض الأسرى من النمل الضعيف المهزوم ، وبعض أنواع
النمل يستأنس الحشرات ، ففي أوكار النمل ما يزيد عن ألفي نوعٍ من الحشرات ، التي
تستأنس بالنمل .
أيها الإخوة المؤمنون ... هناك حشرةٌ ،
تمتصُّ رحيقاً حلواً ، النمل يحبُّ هذا الرحيق ، ولذا فهو يرعى هذه الحشرة ، ويبني
لها بيوتاً خاصَّة ، ويستخدمها ليأخذ من رحيق بطنها ، وكأنها مواشٍ يربيِّها
الإنسان .
هناك في النمل عساكر ، لها حجمٌ أكبر ،
ولها رأسٌ أصلب ، وهناك من النمل عاملات تخْزِن الرحيق ، وتقوم بمهام آخرى .
مقالة قرأتها ، فتنبَّهت لقوله تعالى :
( سورة الأنعام : من آية : " 38
" )
المقصود هنا ..
النمل يبني المدن ، ويشقُّ الطرقات ،
ويحفر الأنفاق ، ويخزن الطعام في مخازن وفي صوامع وفي مستودعات ، يقيم بعض أنواع النمل الحدائق ، ويزرع النباتات
، ونوعٌ يحتفظ بمواشٍ خاصةٍ به ، يرعاها .
ويشنُّ بعض أنواع النمل ، حروباً على قبائل أخرى ، يأخذ الأسرى من ضعاف النمل
المهزوم ، وبعض أنواع النمل يستأنس الحشرات ، وبعض أنواع النمل يرعى حشرةً يتغذى
من رحيق بطنها ، له عساكر ، وله عاملات . لفت نظري في قوله تعالى :
( سورة الأنعام )
أيها الإخوة المؤمنون بَثَّ الله سبحانه
وتعالى في الأرض آياتٍ للموقنين . حيثما تلفَّتت ، أين ما ذهبت في حركاتك في
سكناتك ، في بيتك، في حقلك في دكَّانك ، في معملك ، إذا مشيت على الأرض ، أو ركبت
البحر ، أو ركبت متن الطائرة ، إن الآيات الكونية هي معك في كل مكان، وما عليك إلا
أن تفكر بها ، وإذا فكَّرت بها تعرَّفت إلى الله عزَّ وجلَّ ، فخشع قلبك ، فإذا
خشع قلبك استقمت على أمره . يقول الله
سبحانه وتعالى :
( سورة الأنعام )
بسم الله
الرحمن الرحيم
حقق الإنسان
في القرن الأخير تقدما علميا باهرا وتفوقا تكنولوجيا ظاهرا، مكنه من بسط سلطانه
وفرض سيطرته على كافة أرجاء المعمورة واستخراج ثرواتها الظاهرة والكامنة ثم
استغلالها لتحقيق أمنه ورفاهيته، فها هو ذا يرسل السفن الفضائية والأقمار
الاصطناعية، التى تجوب الكون، تسبر أغواره، وتستكشف أسراره، ها هو ذا يجلس متكئا
على أريكته في قعر بيته، وبلمسة من أصبعه على جهاز التحكم عن بعد يرى ما يشاء،
ويسمع ويتحدث ويتواصل مع من يشاء، وينعم بالدفء في البرد القارص وينعم بالنسيم
البارد في الحر القائظ، ويغسل ثيابه ويفتح أبوابه.... وعلى الرغم من نجاح الإنسان
الباهر في ترويض الوحوش الكاسرة والقضاء على الكثير من الأمراض الفتاكة، على الرغم
من كل ذلك وقف هذا الإنسان بلا حول ولا قوة أمام الحشرات. كائنات صغيرة الحجم، لا
تعرف الكسل ولا يصيبها الملل أو الوهن، تجوب العالم، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا،
دون أن تعترف بحدود إقليمية ولا تعبأ بموانع أو سدود أو جنسيات، منها ما يقطن
الفيافي والقفار ومنها ما يمخر عباب عذب الأنهار وأجاج البحار.
ومنها ما
يمتطي ظهر الريح متى شاء وأنى شاء، ومنها ما يدب على سطح الأرض، ومنها ما يلج في
باطنها، تجدها في السهول المنبسطة وعلى قمم الجبال الشاهقة وفى باطن الكهوف
المظلمة، منها ما يسكن الحدائق الغناء بين الورود والرياحين ومنها ما يعيش في
القبور المظلمة يقتات على جيف الإنسان والحيوان، ومنها ما يعيش في أنفاق داخل النباتات
والأشجار ومنها ما يستطيع العيش في المناطق الشديدة البرودة، فقد وجد العلماء أكثر
من 300 نوع منها في القطب الشمالي، ومنها ما يعيش في صحراء قاحلة مثل بعض مناطق
الصحراء الليبية التي قد تجاوز درجة الحرارة فيها 60 درجة مئوية، كما وجد العديد
من أنواعها في عيون المياه الحارة، بل وبرك النفط!! بل ووجدت منها بعض الأنواع
التي تعيش بصفة دائمة على سطح الماء في المحيطات.
لقد فاقت
تلك الكائنات جميع المخلوقات في عدد أنواعها، إذ فاقت أنواعها المليون، وهي تمثل
76% من المجموع الكلي للملكة الحيوانية و51% من جميع أنواع الكائنات الحية. توشك
أن تنظر إلى السماء وتخاطب الماء الذي في السحاب قائلة له: شرق أو غرب فإن لي من
الخير الذي تفيض به نصيب. ولاشك أن هذا النجاح الساحق لهذه المجموعة من الكائنات
وانتشارها الكبير له أسباب عديدة، فهي صغيرة الحجم، قليل من الغذاء يكفيها وشق صغير
في الأرض يأويها، لها هيكل أقوى من العظام وعضلات مفتولة تستطيع بها أن تحمل أو
تجر عشرات أضعاف وزنها، فهى بلا جدال بطلة العالم في حمل الأثقال وجر الأحمال،
وتقفز للأعلى والأمام عشرات بل مئات أضعاف طولها، فهي بلا غرو بطلة العالم في
الوثب العالي والطويل. فإذا كان بطل العالم في الوثب العالي يقفز لارتفاع لا
يتجاوز مثلي طوله، فإن البرغوث الذي يبلغ طول رجله 1.3 مم يقفز لارتفاع قد يصل
إلى 21 سم
ولمسافة قد تصل إلى 34 سم، وإذا أراد الإنسان أن يجارى هذا البرغوث في البطولة
فعليه أن يقفز لارتفاع 450
قدم ولمسافة 700 قدم، وأنى له أن يفعل. وتستطيع الخنفساء
أن تسحب ثقلا يعادل ثقل جسمها 120 مرة، ولكي يبلغ إنسانا يزن 75 كيلوجرام شأوها
فعليه أن يسحب ثقلا يبلغ 9 أطنان، وأنى له ذلك. لقد وهب الله هذه الكائنات قدرة
فائقة على التكاثر وتحمل المشاق والصعاب.... وللكثير منها القدرة على الطيران الذي
يساعدها في البحث عن الغذاء والهرب من الأعداء، ويمكنها من الوصول إلى الجنس الآخر
في الوقت والمكان المناسب لإتمام التزاوج كما يساعدها في إيجاد المكان المناسب
لوضع البيض. وتتميز هذه الكائنات بعناد شديد يمكنها دائما من الحصول على ما تريد
وقتما تريد، والذباب خير مثال على ذلك، فقد اشتق اسمه من كونه إذا ذب عن الشئ آب.
وللحشرات قدرة كبيرة على التخفي والمحاكاة، فبعضها يتلون بلون البيئة التي يعيش
فيها، فلا يمكن للأعداء تمييزه عنها، وبعضها يتلون بألوان بعض الحشرات السامة،
فيفزع منها الأعداء ويرهبون جنابها.
وتمر
الحشرات خلال حياتها بتغير كبير في الشكل، يسمى التحول، فمن يصدق أن الفراشات
الرقيقة ذات الألوان البديعة، التي تكتفي بقليل من رحيق الأزهار كانت يوما بيوضا
صغيرة لاتكاد تدركها العين ثم أصبحت ديدان شرهة تجول بين أوراق الأشجار فتقضي
عليها، ثم تصبح عذارى لا تأكل ولا تتحرك يحسبها الرائي جمادا لا حياة فيه وهي تموج
أثناء تحولها بتغيرات رهيبة فيتحول فمها من فم قارض إلى خرطوم لامتصاص رحيق
الأزهار، ويتكون لها أجنحة وأعضاء تناسل، والعديد من التغيرات في الشكل والتركيب،
ومن يصدق أن البعوض الذي يمتص الدماء ويطير في الهواء كان يوما دودة تسبح في
الماء، ومن يصدق أن الذباب الذي لا يتغذي إلا على حلو الشراب وتعشق الضوءكان يوما
ديدانا صغيرة تأكل القمامة والروث ولا تطيق أن ترى بصيص النور. عجبا لهذه الكائنات
التى صارعت الإنسان وناوءته على مر الزمان، كم سببت من أضرار، وكم دمرت من مساكن،
وكم أتلفت من أثاث، وكم قضت على حضارات. إنها تهاجم الزرع، تأكل جذوره وتنخر بذوره
وتحفر سوقه و تقرض أوراقه، وتمتص عصاراته و تعيث فسادا في ثماره، إنها لا تكتفي
باتخاذ الزرع غذاء ومأوى لها ولصغارها بل تضع فيه وعليه بيوضها وتنقل إليه الكثير
من الأمراض البكتيرية والفيروسية والفطرية المهلكة. تلك الكائنات الصغيرة تحمل في
جعبتها وعلى ضآلة شأنها الدمار الماحق للإنسان وحيواناته الأليفة، فبعض الحشرات
تنقل مسببات العديد من الأمراض الفتاكة التى عاقت وما تزال تعوق تقدم الجنس البشرى
في مناطق شاسعة من العالم.
هذه ذبابة
التسي تسي، إنها ليست أكثر من ذبابة ولكن اسمها يوحى لأكثر من نصف سكان إفريقيا
بكابوس ثقيل يهدد حياتهم ويقضي على ماشيتهم بما تحمله من كائنات مجهرية تسبب مرض
النوم القاتل، ففي مناطق السافانا المنتشرة في جنوب الصحراء الكبرى تهدد التسي تسي
حياة أكثر من خمسين مليون أفريقى ينتمون لثماني وثلاثون دولة بالإضافة إلى مئات
الملايين من الأبقار والأغنام والخيول. ويقال إن هذه الذبابة وقفت منذ حوالى ألف
عام عائقا أمام المد الإسلامي في إفريقيا بعد أن قتلت الكثير من الدواب التى
يمتطيها الدعاة ومعلمي الناس الخير عند وصولهم لتخوم المناطق الموبؤة.
وهذه
البعوضة، مخلوق صغير الحجم، عظيم القدر، بالغ الضر على من سلطها الله عليه من
العباد، ورغم صغر حجمها وضآلة شأنها فإن الدنيا كلها لا تساوي عند الله جناحها،
ولو كانت الدنيا تساوى عند الله جناحها ما سقى الكافر منها شربة ماء ولذلك ضرب
الله بها المثل في كتابه الحكيم قال الله تعالى :
(إن اللهَ لا يَسْتَحى أن يَضَربَ مَثلا مَا بَعُوضَةً َمَا فَوقَهَا فأما
الَّذيَنَ امَنُوا فَيَعْلمُونَ اَنَّهُ اْلَحُق مِنْ رَبّهِم وأما الَّذيَن
كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أراد اللهُ بِهذَا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثيراً
وَيَهدِى بِه كَثيراً وَمَا يُضِلُّ ِبِه إلا الفَاسِقيَن| (البقرة: 26).
إن البعوض
ليس إلا كتيبة من الجنود التي زودت إناثها بالأسلحة والمعدات وأجهزة الاستشعار عن
بعد ومناظير الرؤية الليلية التي تمكنها من الاهتداء لعائلها ومص دمائه دون خلل أو
فشل. إن أنثى البعوضة وفي الظلام الدامس تهتدي لهدفها بواسطة درجة الحرارة
المنبعثة من بدنه وشم رائحة جسده وأنفاسه المميزة ثم تتخير مكان من الجلد غني
بالأوردة الدموية، ثم وبخفة ومهارة ودقة بالغة تقوم بثقب الجلد بواسطة عدد من
الإبر المسننة، ثم تقوم بإفراز مواد لعابية تحمل إنزيمات تمنع تخثر الدم وتعمل على
سيولته وتزيد من توارده لمكان الثقب، وهنا تبدأ عملية مص الدماء. ولا تقتصر
المشكلة على ما يسببه لدغ البعوض من حكة أو سلب دماء ولكن وأثناء صب اللعاب المانع
لتخثر الدم، تنتقل العديد من مسببات الأمراض المهلكة للإنسان مثل الملاريا
والفلاريا وحمى الوادي المتصدع وحمى الضنك وحمى غرب النيل والحمى الصفراء. وهناك
جيوش أخرى من مصاصي الدماء مثل البراغيث التي تنقل مرض الطاعون والقمل الذي ينقل
مرض التيفوس وذباب الرمل الذي ينقل مرض اللشمانيا. ألم تر كيف سلط الله بعض
الحشرات لتصب العذاب على بعض المعرضين من عباده، ألم تر إلى النمروذ الذى حاج نبى
الله إبراهيم عليه السلام في ربه وادعى أنه يحى ويميت فسلط الله عليه حشرة صغيرة
فدلفت إلى رأسه تسومه سوء العذاب، فكان أكرم الناس عليه من يضربه بالنعال على
رأسه. قال تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ
رَبِّكَ إِلا هُوَ وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ|(المدثر: 31).
وها هو
الجراد، يزحف بجيوشه إلى من شاء الله من خلق الله في أسراب وحشود منظمة تثير الرعب
والفزع والذعر في قلوب المزارعين والمختصين، إنها تطير في تنظيم عجيب وسرب مهيب
وتحط على كل أخضر خصيب فتحيله إلى صعيد، إن الجراد يطير لمسافات بعيدة، وبلا توقف
فها هي أسرابه تعبر البحر الأحمر بانتظام (حوالي 300 كم ) وقد تقطع الجرادة
الواحدة 500 كيلومتر
في اليوم الواحد، دون أن تحتاج للتوقف لملأ خزانات وقودها، وذلك بما لديها من قدرة
عضلية تمكنها من الرفرفة بالجناحين لمدة تصل إلى ستة عشر ساعة في اليوم، فمن الذي
أمدها بكل هذه الطاقة اللازمة لبذل هذا الجهد بلا توقف، إن جيوش الجراد الجرارة
وغير العاقلة تتصرف بطريقة دقيقة في التجمع والتوجيه والحل والترحال، وكيف لا وهي
من جيوش الحق وجنود الملك سبحانه وتعالى وصدق الله العظيم القائل: (فَأَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ
آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ| (الأعراف:
133).
إن الجرادة الصغيرة غير الناضجة تأكل قدر وزنها
من النباتات الخضراء فإذا كانت هذه الحشرة تزن جرامين وإذا كانت جموع الجراد في
بعض الأسراب تصل إلى 8 مليار جرادة، تزن حوالى 16000 طن فإنها تأكل في اليوم
الواحد مايطعم 2.4 مليون رجل (من إحصائيات منظمة الأغذية والزراعه المسماة اختصارا
باسم الفاو). وقد يتبادر إلى ذهن البعض أن استخدام القوة المفرطة من الرش
بالمبيدات واستخدام الطائرات قادر على صد جيوش الجراد الجرارة، ولكن أنى له ذلك
والجراد دائما يختار وقت ومكان المعركة ودون سابق إنذار، ثم إن ما يسلطه الإنسان
على الجراد من مبيدات يرتد إليه في صورة ملوثات تهلكه وتفسد زرعة وضرعه. وإذا أردت
أن تعرف الأثر المدمر لبعض تلك الكائنات فانظر إلى حشرات الحبوب المخزونة التي
تأكل مايقرب من ثلث إنتاج العالم من الحبوب في الوقت الذي لا يجد فيه الملايين من
البشر، وفى عصر التصحر والجفاف ما يسد رمقهم. وانظر إلى الأرضة (دابة الأرض)، أو
ما يطلق عليه البعض النمل الأبيض، التي تحيل البيوت العامرة إلى أطلال خربة.
وكما أن
هناك جنودا من الحشرات تفتك بمن شاء الله من العباد، هناك من الجنود ما يحمل
الخير، كل الخير لبني الإنسان. لقد لخص الأمام على كرم الله وجهه حقيقة هذه الدنيا
عندما قال محقرا من شأنها (خير طعام بن آدم من رجيع نحلة (يقصد العسل) وخير لباسه
من لعاب دودة (يقصد الحرير الذي تصنعه دودة القز)، أليس من العجب أن يكون أفخر
لباس يزهو به بني آدم وأعظم طعام ودواء لبني آدم من صنع الحشرات. لقد أوحى الله
إلى النحل فلبى أمر ربه فبنى بيوتا يضرب بها المثل في دقة التصميم وسرعة التنفيذ
وسلك سبل ربه فأخرج شرابا فيه شفاء للناس، وقد ظن البعض أن خير النحل مقصور على ما
يصنعه من العسل وأغفلوا الفوائد الجمة لما ينتجه النحل من غذاء ملكي، وسم، وعكبر
وما يجمعه من حبوب اللقاح. والعجيب أن كل هذا الخير لا يقارن بالمكاسب الضخمة التي
يجنيها المزارعون من تلقيح النحل لزروعهم ورفع انتاجها من الثمار أَضعاف المرات.
ومنذ
قديم الأزل وعى الإنسان أخطار هذه الحشرات ومضارها، فلم يهادنها، بل حاربها بكل ما
تفتق عنه الذهن من وسائل وأنشأ من أجل ذلك المعاهد العلمية ومراكز الأبحاث، عله
يفلح في القضاء عليها أو الحد من أخطارها، ولكنه وياللحسرة لم يفرق في حربه لها
بين العدو منها والصديق، بين من يقدم له الغذاء ومن يدمر له الغذاء، بين من يلقح
له النبات ومن يدمر له النبات، بين من يقدم له الشفاء والدواء ومن يصيبه بالداء،
من يقدم له الحرير وهو أجمل وأنعم أنواع الكساء ومن يدمر له الرياش والكساء. فكان
أن ارتدت أسلحة الإنسان إلى نحره وأصبح تدبيره تدميره فوقف حائرا مقهورا، فبعد أن
أنفق المليارات من الدولارات وأفنى الوقت والجهد والعتاد في الحرب مع الحشرات بعد
أن صور له خياله المريض ونهمه الجشع أنه سينعم بالسعادة والرفاهية إن هو أفناها،
فأسرف في استخدام المبيدات ثم أفاق ولكن متى أفاق؟ لقد أفاق بعد أن غزت سموم
المبيدات كبده وكليتيه وقلبه وسائر بدنه وأفسدت زرعه وأهلكت ضرعه، وزاد من حسرته
أن الحشرات خرجت من هذه المعركة ظافرة، وفى كل مرة بعدما ينقشع غبار مبيداته، تلملم
شتاتها وتنظم صفوفها ثم تهز قرون استشعارها وتمضى في سبيلها تنتظر ما يفعل الله
بها، أليست خلقا من مخلوقاته وجندا من أجناده
أسماك البحر الكهربائية
... يقول العلماء : ما من كائنٍ حي ،
إلا وفي نشاطه الحيوي ، طاقةٌ كهربائية ؛ فالقلب مثلاً ، يولِّد تياراً كهربائياً
، تعادل شدته واحداً من مئة من الفولط ، وما أجهزة قياس ضربات القلب ، إلا عن طريق
هذا التيار الكهربائي ، الذي يولده القلب ، لذلك تسمّى هذه الأجهزة ، أجهزة
التخطيط الكهربائي ، هذا شيءٌ مألوف ، أية عضلة تولِّد طاقةٌ كهربائية من حركتها ،
هي من الشدة ، بحيث يتحملها الإنسان .
ولكن الشيء الذي لا يصدق ، أن بعض
الأسماك في البحار ، تولِّد تياراتٍ كهربائية ، تزيد شدتها عن مئتين وعشرين فولطاً
، وأن هذه الأسماك ، تدافع عن نفسها ، عن طريق ، إرسال ، صعقةٍ كهربائيةٍ، تميت
خصمها ، في أعماق البحار .
وأن شدة التيار ، الذي تولده بعض
الأسماك الأخرى من جنبيها يزيد عن ستمئة فولط ، وقد أُخِذَت بعض هذه الأسماك ، ووضعت في أحواض، ووضعت في الأحواض ، مصابيح
كهربائية، فاستطاعت السمكة الواحدة ، أن تجعل ستة مصابيح كهربائية طاقة كل واحد منها مئة واط أن تتألق جميعاً لعدة ثوانٍ .
سمكةٌ في أعماق البحار ، يدرسها الطلاب في بعض
المواد العلمية، وقف العلماء عند هذه الظاهرة ، كيف تولِّد هذه السمكة ، تلك
الطاقة الكهربائية ؟ شَرَّحوها ، إذ على جنبيها ، مواسير سداسية ، هي بمثابة
الخلايا الكهربائية ، تتولد هذه الكهربائيات في أجسامها عن طريق ، الطاقة
الكيميائية ، ووجدوا أن في السمكة الواحدة ، ما يزيد على أربعمئة خليةٍ كهربائية ،
هذه الخلايا ، مرتبطة مع بعضها بعضاً ، عن طريق التسلسل ، بحيث ، إذا صدر أمرٌ من
دماغ السمكة ، تُفْرغ شحناتها دفعةً واحدة ، باتجاه العدو ، إن دقة توصيلات هذه
الخلايا شيءٌ يلفت النظر ، ووصل الأمر
بتفريغ شحنتها بالدماغ ، شيءٌ يأخذ بالألباب ، أربعمئة خليةٍ كيميائيةٍ، تستطيع أن
تصدر ، تياراً كهربائياً ، صاعقاً ، تزيد شدته عن ستمئة فولط ، إن الإنسان يموت في
هذا التيار فوراً ، لو أن سمكةً ، أرسلت ، لسابحٍ ، هذه الصعقة ، تميته فوراً ،
يقول الله سبحانه وتعالى :
( سورة فصلت : من آية " 53 "
)
سمكةٌ ، تصدر تياراً كهربائياً ، يزيد
عن مئتين وعشرين فولطاً ، وسمكةٌ أخرى ، ترسل تياراً كهربائياً ، يزيد عن ستمئة
فولط ، وضعت هذه السمكة ، على قماشٍ مبلل ، قبل أن تموت ، وأمسك بالقماش المبلل
رجل ، وأمسك به رجل ، إلى أن أصبح الرجال ثمانية ، فما إن إتصلت الدارة ، حتى
انتفض الرجال الثمانية ، من شدة صعقة هذه السمكة .
أيها الإخوة المؤمنون ... مخلوقات الله عزَّ وجل ، دالةٌ
على عظمته ، دالةٌ على قدرته ، دالةٌ على علمه ، دالةٌ على خبرته .
والحمد لله رب العالمين
*
* *
أسماك البحر الكهربائية
... يقول العلماء : ما من كائنٍ حي ،
إلا وفي نشاطه الحيوي ، طاقةٌ كهربائية ؛ فالقلب مثلاً ، يولِّد تياراً كهربائياً
، تعادل شدته واحداً من مئة من الفولط ، وما أجهزة قياس ضربات القلب ، إلا عن طريق
هذا التيار الكهربائي ، الذي يولده القلب ، لذلك تسمّى هذه الأجهزة ، أجهزة
التخطيط الكهربائي ، هذا شيءٌ مألوف ، أية عضلة تولِّد طاقةٌ كهربائية من حركتها ،
هي من الشدة ، بحيث يتحملها الإنسان .
ولكن الشيء الذي لا يصدق ، أن بعض
الأسماك في البحار ، تولِّد تياراتٍ كهربائية ، تزيد شدتها عن مئتين وعشرين فولطاً
، وأن هذه الأسماك ، تدافع عن نفسها ، عن طريق ، إرسال ، صعقةٍ كهربائيةٍ، تميت
خصمها ، في أعماق البحار .
وأن شدة التيار ، الذي تولده بعض
الأسماك الأخرى من جنبيها يزيد عن ستمئة فولط ، وقد أُخِذَت بعض هذه الأسماك ، ووضعت في أحواض، ووضعت في الأحواض ، مصابيح
كهربائية، فاستطاعت السمكة الواحدة ، أن تجعل ستة مصابيح كهربائية طاقة كل واحد منها مئة واط أن تتألق جميعاً لعدة ثوانٍ .
سمكةٌ في أعماق البحار ، يدرسها الطلاب في بعض
المواد العلمية، وقف العلماء عند هذه الظاهرة ، كيف تولِّد هذه السمكة ، تلك
الطاقة الكهربائية ؟ شَرَّحوها ، إذ على جنبيها ، مواسير سداسية ، هي بمثابة
الخلايا الكهربائية ، تتولد هذه الكهربائيات في أجسامها عن طريق ، الطاقة
الكيميائية ، ووجدوا أن في السمكة الواحدة ، ما يزيد على أربعمئة خليةٍ كهربائية ،
هذه الخلايا ، مرتبطة مع بعضها بعضاً ، عن طريق التسلسل ، بحيث ، إذا صدر أمرٌ من
دماغ السمكة ، تُفْرغ شحناتها دفعةً واحدة ، باتجاه العدو ، إن دقة توصيلات هذه
الخلايا شيءٌ يلفت النظر ، ووصل الأمر
بتفريغ شحنتها بالدماغ ، شيءٌ يأخذ بالألباب ، أربعمئة خليةٍ كيميائيةٍ، تستطيع أن
تصدر ، تياراً كهربائياً ، صاعقاً ، تزيد شدته عن ستمئة فولط ، إن الإنسان يموت في
هذا التيار فوراً ، لو أن سمكةً ، أرسلت ، لسابحٍ ، هذه الصعقة ، تميته فوراً ،
يقول الله سبحانه وتعالى :
( سورة فصلت : من آية " 53 "
)
سمكةٌ ، تصدر تياراً كهربائياً ، يزيد
عن مئتين وعشرين فولطاً ، وسمكةٌ أخرى ، ترسل تياراً كهربائياً ، يزيد عن ستمئة
فولط ، وضعت هذه السمكة ، على قماشٍ مبلل ، قبل أن تموت ، وأمسك بالقماش المبلل
رجل ، وأمسك به رجل ، إلى أن أصبح الرجال ثمانية ، فما إن إتصلت الدارة ، حتى
انتفض الرجال الثمانية ، من شدة صعقة هذه السمكة .
أيها الإخوة المؤمنون ... مخلوقات الله عزَّ وجل ، دالةٌ
على عظمته ، دالةٌ على قدرته ، دالةٌ على علمه ، دالةٌ على خبرته .
دودة القز وخيطها الحريري
وخيط العنكبوت ، وخيط الصوف
يقول ربنا سبحانه وتعالى :
( سورة الذاريات )
دودة القز ، يسميها العلماء : ملكة
الأنسجة ، بلا منازع ، إن هذه الدودة ، يا إخوة الإيمان ، إذا لامس لعابها الهواء
، تجمَّد ، فصار خيطاً حريرياً ، هذا اللعاب ، مطليٌ بمادةٍ بروتينية ، يعطيه
لمعاناً لؤلؤياً ، تستطيع هذه الفراشة ، أن تنسج ست بوصات في الدقيقة الواحدة ،
وطول خيطها، ثلاثمئة متر مستمر ، وكل ثلاثمئة وستين شرنقة ، أي كل ثلاثمئة وستين
مضروبة بثلاثمئة متر، تساوي قميصاً حريرياً واحداً ، فكم وزن هذا الحرير ؟ لم
يستطع الإنسان حتى الآن أن يقلِّد خيط الدودة ، أي ثلاثمئة وستين ، ضرب ثلاثمئة ،
يساووا ، قميصاً لا يعادل وزنه ثلاثمئة غرام .
هذه الشرنقة أيها الإخوة ... خمسة وعشرين ألف
شرنقة تضع رطلاً من الحرير ، أي عشرة آلاف شرنقة تضع كيلو حرير واحد ، وزنه خفيف
، أمتن من الفولاذ ، بمعنى ، لو أمكن أن
يسحب الفولاذ ، بقطر خيط الحرير ، لكان خيط الحرير أمتن من الفولاذ ، جميلٌ ،
وبراقٌ ، ومتينٌ ، وخفيف ، هذا من صنع الله عزَّ وجل .
( سورة النمل : من آية " 88 "
)
هناك فراشٌ ، يصنع الحرير الذهبي ، إن
شئت حريراً فضياً ، كاللؤلؤ تماماً ، وإن شئت حريراً ذهبياً كالذهب تماماً ، لون
طبيعي ، لا يتأثر بالشمس ، ولا يحتاج إلى صبغ ، ولا يحتاج إلى تثبيت ، لونٌ ثابتٌ،
كالذهب ، ولونٌ ثابتٌ ، كاللؤلؤ ، وكل خمسة وعشرين ألف شرنقة ، تساوي رطلاً واحداً
، أي كل عشرة آلاف شرنقة ، تضع كيلو واحد ، يحتاج القميص ، إلى ثلاثمئة وستين
شرنقة ، الشرنقة فيها ثلاثمئة متر .
ما هذا الحرير ؟ لعاب دودة القز ، إذا
لامس الهواء ، صار خيطاً حريرياً ، صنع من ؟ تقدير من ؟ ترتيب من ؟ .
بينما العنكبوت ، تنسج خيوطاً ، بعضها
متينٌ جاف ، لبناء البيت ، وبعضها لينٌ لزج ، لاصطياد الحشرات ، والتي تنسج البيت
، هي الأنثى .
بالتاء المؤنثة اتخذت بيتاً ....
( سورة العنكبوت )
يبنى بيت العنكبوت على أحدث معطيات
الهندسة ، يبنى على شكل أشعة الشمس ، مركزٌ ، وخطوطٌ شعاعية ، وخطوطٌ دائرية ،
الخطوط الدائرية ، تحافظ على المسافة بين الأشعة ، والشعاعية ، تنطلق من المركز،
وتثبت في أطراف الجدر ، هذا هو البيت ، من خيوطٍ ، متينةٍ ، جافة ، وهناك خيوطٌ
أخرى ، بمثابة الشباك ، تنسجها العنكبوتة ، لزجة ، تهتز ، فتعرف أن الشبكة قد صادت
، تأتي العنكبوت ، فتجرح الحشرة ، تبث فيها السم ، ومع السم مادةٌ مذيبة ، تصبح
أحشائها كلها سائلةً ، تمتص هذا السائل ، تأكل عصيراً فقط ، تبث ماذةً مذيبة ، فتجعل
أحشائها سائلةً ، ثم تمتص العصير .
يا أيها الإخوة الأكارم ... هذه الآيات
التي بثها الله في الأرض ، من أجل نعرفه ، من أجل أن نعرف عظمته ، علمه ، رحمته ،
خبرته ، قدرته ، غناه ، أسماء الله الحسنى كلُّها ، يمكن أن نستشفها ، من خلق
السموات والأرض .
( سورة فاطر : من آية " 28 "
)
( آل عمران : من آية " 190 ، 192
" )
يتفكرون ، فعل مضارع ، يفيد الإستمرار ،
هو واقف ، هو جالس، هو قاعد ، في عمله ، في بيته ، في الطريق ، مع أصحابه ، وهو
يعمل عملاً ، وهو يستمتع متعةً .
يا أيها الإخوة الأكارم ... فكروا فيما
حولكم ، فكروا في خلقكم ، فكروا في أنفسكم ، فكروا في أولادكم ، فكروا في حاجاتكم
، فكروا في هذا الصوف من أين جاء ؟ خيط الصوف ، يبقى في أعلى مستوى ، خيطٌ مفرغ،
ذو طولٍ محدد ، الخيوط الصناعية اليوم ، تقلِّد خيط الصوف في طوله ، إن بإمكان
الآلات الحديثة ، أن تصنع خيطاً مستمراً ، ولكن الخيط المثالي ، هو الخيط الذي
بطول خيط الصوف ، فإذا نسج ، وحبك ، كان فيه مرونة ، هذه المرونة ، تريح الذي
يرتدي هذه الثياب .
أيها الإخوة الأكارم ... أيات الله عزَّ
وجل ، بين أيدينا ، وفي بيوتنا، وفي أعمالنا ، وفي ما حولنا ، في السماء ، في
الأرض ، في الطول، في العرض ، في كل شيء .
وفي كل شيءٍ له آيةٌ تدلُّ على أنه واحد .
*
* *
هذا الفكر ، لا ينبغي أن تعطله ، لا
ينبغي أن تسخِّره ، لأهدافٍ بسيطة ، صغيرة ، قميئة ، ساذجة ، سخيفة ، إنه خُلق
ليعرف الله به ، شرِّفه بمعرفة الله ، ولا تدنِّسه بالكيد للناس ، شرفه بمعرفة
الله عزَّ وجل .
والحمد لله رب العالمين
*
* *
بقلم : الدكتورة مواهب الخطيب