الحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على سيدنا ونبينا سيد الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد
وعلى آله الطيبين الطاهرين.
والسلام على سيدنا ومولانا
بقية الله في أرضه الحجة بن الحسن (عَجَّلََ الله تعالى فَرَجَهُ الشريف)
المقدمة
قال الله سبحانه وتعالى في
محكم كتابه الكريم: {وجعلناهم أئمة يهدونا بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام
الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين}(1).
في هذه الليلة المباركة، ليلة
النصف من شهر رمضان، ليلة ميلاد سيدنا ومولانا أبي محمد الحسن بن علي الزكي، وليد
هذا البيت الطاهر الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وفي أيام شهر رمضان
نجتمع ونحتفل بهذه الذكرى.
نحن في مثل هذه الاجتماعات
لابد أنْ نستذكر مثل هذه المعاني الروحية والعاطفية ونؤكد عليها ; لأنّها تشدنا
إلى مثل هذه الاجتماعات والمفاهيم والأفكار، ونستفيد من هذه الأجواء الروحية
العاطفية من أجل بلورة المفاهيم والأفكار، حتى تصبح هذه العواطف والمشاعر
والأحاسيس، وهذا الحب والود الذي نكنه من أعماق القلب لعلي وللأئمة الأطهار، ويصبح
هذا كله قائماً على أساس متين قوي لا تزعزعه العواطف.
وهذا الشيء يمثل منهجاً في
الفكر الإسلامي، وهو أنّ الإسلام لم يعتمد على العاطفة وحدها، ولا على الفكر وحده،
وإنّما حاول أنْ يمزج بين العاطفة والفكر، وبين المشاعر والعقائد، التي هي الأساس
الذي ينطلق منه الإنسان في حركته، وهي النور والهدى الذي يوجد في طريق الإنسان.
والمشاعر والأحاسيس والعواطف
تمثل الطاقة المحركة والدافعة للإنسان في هذه المسيرة، لأنّه يحتاج إلى هدى ونور
ورؤية واضحة للطريق وإلى طاقة، محركة، فهذا الود والحب والمشاعر والعواطف تمثل هذه
الطاقة.
ولذلك فنحن نشكر الإخوات
العزيزات، سواء من يشترك في هذه المجالس، أم من يقيمها ويهيئوها، نشكرهم من صميم
القلب على عملهم هذا، لأنّه يعتبر من أفضل الأعمال الصالحة.
وهنا أُشير إلى أنّ أئمة أهل
البيت (عليهم السلام) هم أول من دعا إلى إقامة هذه المجالس والشعائر، وقد ورد في
حديث صحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام)، بعد أنْ سأل أصحابه هل تجلسون وتتحدثون
فيما بينكم، فقالوا: نعم، وهنا أبدى الإمام (عليه السلام) حبه للحضور في هذه
المجالس، ثم قال (عليه السلام): (والله إنّي روحكم وريحكم).
مظلومية الإمام الحسن(عليه
السلام)
وهذا الاجتماع موظف للإمام
الحسن (عليه السلام)، نتبادل فيه التبريكات والتهاني في ولادة هذا الوليد، الذي
كتب عليه منذ بداية حياته أنْ يكون مظلوماً في حياته، ومظلوماً بعد وفاته، مظلوماً
في نظر الأصدقاء فضلا عن الأعداء، ومظلوماً في نظر الباحثين، وفي نظر العواطف
والأحاسيس والتقييم والتحليل لمجمل حياته.
وهذه المظلومية نلاحظها بشكل
واضح عندما نقرأ ما جرى على الإمام الحسن (عليه السلام) في زمن أبيه (عليه
السلام)، وقبل الصلح. حيث يبدو أنّ هناك مؤامرة ـ نعبر عنها تخطيط ـ وهناك جهات
كانت تستهدف الإمام الحسن (عليه السلام) بشائعات وأحاديث وكلمات مؤذيه له (عليه
السلام) ومؤذية لأمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث تتناول أخص القضايا بالإنسان،
من قبيل قضية الزواج والطلاق. حيث نجد هناك حديثاً كثيراً في التأريخ حول هذا
الموضوع، حتى أنّه نُسب إلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه صعد المنبر
وقال: (أيّها الناس لا تزوجوا ابني الحسن).
لاحظوا هذا الموقف بحيث إنّ
أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو خليفة المسلمين يصعد على المنبر، ويتحدث بهذه
القضية وبهذا الشكل العلني، اعرفوا كم هي الإشاعات والأحاديث والمسائل التي كانت
تدور حوله، حتى أدى الأمر بأمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أنْ يتحدث بهذا الشكل.
لقد كان الإمام الحسن (عليه
السلام) مظلوماً، ثم ظلم بعد الصلح من أتباعه ومواليه حيث يدخل عليه بعض مواليه،
فيقول له: (السلام عليك يا مذل المؤمنين)(3).
والإمام الحسن (عليه السلام)
هو معز المؤمنين وحافظهم، وضحى بكل وجوده وحياته ومعنوياته، لأنّ معنويات الإنسان
وشرفه وكرامته وعزته وجاهه أفضل وأعظم من بني الإنسان، فالإنسان يبذل دمه ووجوده
من أجل شرفه وكرامته، فقد قال الإمام الحسين (عليه السلام): (الموت خير من ركوب
العار)(4).
والإمام الحسن (عليه السلام)
كان يفهم هذه الأُمور، فيبذل كل حياته في سبيل حفظ المؤمنين، ولكن مع ذلك يدخل
عليه أحد أصحابه فيقول له: (السلام عليك يا مذل المؤمنين).
ثم نجد مظلوميته (عليه السلام)
بعد وفاته ; لأنّ تكريم الإمام الحسن (عليه السلام) محدود، وبعد ذلك نجد ما جرى
على قبره الشريف، وعلى هذا الوجود المبارك، فعندما يذهب الزائر في أيام الحج ويقف
على قبره (عليه السلام) يتقطع قلبه، وتأخذه العَبْرة بمجرد مشاهدة المنظر الذي
يراه من خلال هذه الأحجار المتناثرة.
لقد كان الإمام الحسن (عليه
السلام) مظلوماً، وكأنّه كُتب على هذا الوليد أنْ يكون مظلوماً منذ بداية حياته،
فلنرَ بأي شيء كانت ظلامته؟
في الواقع لا يوجد هناك أي
تفسير لظلامة الإمام الحسن (عليه السلام) إلاّ قضية الإسلام، فالإمام الحسن (عليه
السلام) عاش من أجل قضية واحدة، وهي قضية الإسلام والدفاع عنه، وعن هذا الخط
الإسلامي الأصيل، والدفاع عن هذه الجماعة الصالحة المتمثلة بشيعة أهل البيت (عليهم
السلام).
تقسيم أصحاب الإمام الحسن(عليه
السلام)
وهذا الموضوع له أبعاد متعددة
ومختلفة، فجانب من الحديث يرتبط بالخلفية السياسية التي تحرك بها الإمام الحسن
(عليه السلام)، حيث توجد هناك خلفية قاسية جداً، فقد جاء الإمام الحسن (عليه
السلام) إلى الحكم في وضع سياسي مختلف، لأنّ أصحابه كانوا ينقسمون ـ كما يذكر
التأريخ ـ إلى أربعة أقسام رئيسية وأساسية، وهي:
القسم الأوّل:
هم أولئك الموالين الخُلّص،
الذين كانوا يوالون علياً (عليه السلام)، وهم على استعداد لأنْ يبذلوا مهجهم وكل
وجودهم من أجل الإمام علي (عليه السلام)، ومن أجل خطه، أمثال حجر بن عدي وقيس بن
سعد بن عبادة وسليمان بن صرد الخزاعي، وغيرهم من هؤلاء الخُلّص الذين كانوا مع
الإمام علي (عليه السلام). وهؤلاء كانوا قلة في مجمل أصحاب الإمام علي (عليه
السلام)، لأنّ الإمام (عليه السلام) كان خليفة وكان الناس وكأنهم كلهم معه.
القسم الثاني:
وهو ما يعبر عنه في التأريخ
بالمحكمة، أي أولئك الذين قبلوا بالتحكيم ورضوا به، أمثال أبي موسى الأشعري،
والذين ساروا بهذا المنهج والطريق، وهؤلاء هم الذين يعبر عنهم في التأريخ بالذين
يأخذون بالظاهر، فهم يأخذون بظواهر الأشياء وأشكالها ولا يبحثون عن الأعماق
والجذور والواقع.
وهم يمثلون أُمة من الناس،
لأنّ التحكيم عملية سياسية أُديرت بخبث من ناحية، وبذكاء ودعاء من ناحية أُخرى، من
أجل تطويق حركة الإمام علي (عليه السلام)، حيث إنّ معاوية وكل أولئك الذين يلتزمون
بمنهجه(5) كانوا يمثلون أُمّة كبيرة من الناس في مجمل أوضاع الإمام علي (عليه
السلام)، ووجدوا في التحكيم فرصة لأنْ يلتفوا على مجمل حركة الإمام علي (عليه
السلام)، بعد أنْ وجدوا أنّ حركته (عليه السلام) لا تُؤمِّن مصالحهم ومنافعهم
وأهدافهم. فهؤلاء قبلوا التحكيم ورضوا به، لأنّهم جعلوه طريقاً للوصول إلى منهج
معاوية، بعد أنْ تبين أنّ منهج معاوية مستعد لأنْ يؤمّن كل مصالحهم، فالذي يريد
موقعاً يعطيه، والذي يريد مالا يعطيه، ومن يريد جاهاً ورئاسة وعشيرة يعطيه، وهكذا.
لقد كان معاوية على استعداد
لأنْ يعطي كل واحد ما يريده، وهذا منهج تأمين المصالح، وهو نفس المنهج المتبع الآن
في الغرب ـ منهج الحضارة الغربية ـ، فعندما يأتي إنسان ويطرح نفسه للانتخابات أو
لوزارة أو رئاسة جمهورية أو رئاسة بلدية، أو لأي موقع من المواقع، فإنه حينما يتحدث
مع الناس يتحدث معهم بلغة المصالح والمنافع التي يمكن أنْ يقدمها لهم، ومن خلال
هذه المصالح وشراء الأصوات والذمم يمكن أنْ يكسب أكبر قدر ممكن من الأصوات.
وأمّا ماذا يجني الناس من ذلك،
أو ماذا ترتكب من جرائم في هذه المجتمعات، أو ماذا يتعرض له المجتمع من تدهور
وابتعاد عن الخلق والقيم والمُثُل فهذه القضية ليست هي المنظورة، وإنّما لا بد أنْ
تؤمَّن المصالح الجزئية الشخصية لهذا الإنسان أو ذاك.
وهذا المنهج كان منهج معاوية،
وهذا المنهج عمل على موضوع التحكيم بشكل دقيق جداً، وخبث ودهاء حتى تمكن أنْ يحرج
الإمام علياً (عليه السلام)، حتى أنّه لم تُترك فرصة للإمام (عليه السلام) لكي
يختار الممثل الصالح له في عملية التحكيم، بالرغم من كونه خليفة المسلمين وقائدهم،
فقد فُرض عليه أنْ يمثله أبو موسى الأشعري.
لقد أراد (عليه السلام) أنْ
يمثله مالك الأشتر، فقيل له: هذا رجل قتال ومعركة وجيش، وهو يجر الأُمّة إلى
القتال والجهاد.
فقال لهم: هذا ابن عباس رجل
سياسي وداهية، فقالوا له: إنّه ابن عمك وقريب منك، لا نريد أحداً إلاّ أبا موسى
الأشعري.
لقد كانوا يعرفون أبا موسى
الأشعري معرفة كاملة منذ يوم الجمل عندما كان والي الكوفة، حيث جاء الإمام الحسن(عليه
السلام) ليعبئ الناس لحرب الجمل، وهنا صعد أبو موسى الأشعري المنبر وقال: (سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: تكون فتنة، النائم فيها خير من المضطجع،
والمضطجع فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير القائم، والقائم فيها خير الماشي،
والماشي خير من الراكب، والراكب خير من المجري)(6)، وهكذا أخذ يعدد هذه القضايا
ويدعو الناس إلى الجلوس والقعود وعدم الحركة، وتنثبيط الناس عن الإمام علي (عليه
السلام).
فهم يعرفون موقف أبي موسى،
ولذلك فرضوه على الإمام علي (عليه السلام)، لكي يكون ممثلا له في التحكيم، وهذا يدلك
على أنّهم ماذا يريدون من وراء التحكيم؟، وحتى أولئك الأشخاص الذين خُدعوا
بالتحكيم في البداية، من هؤلاء الرعاع الذين يميلون مع كل ريح، وينعقون مع كل
ناعق، فهؤلاء انتبهوا بعد التحكيم للحقيقة، وشكلوا مجموعة واسعة لها مواقع كثيرة
ومختلفة، وكانت قوة سياسية حقيقة قائمة في جماعة الإمام علي (عليه السلام)، وهم ما
يسمون بالخوارج
القسم الثالث:
هم الخوارج، وهم أولئك الذين
رفضوا التحكيم، ووقفوا منه موقفاً مضاداً، لا من أول الأمر وإنّما بعد التحكيم.
ودوافع هذه الجماعة مختلفة،
فبعضهم كانت دوافعه دوافع الإيذاء والضغط على الإمام علي (عليه السلام) تحت كل
شعار، وهذا ما نشاهده في مختلف الحركات السياسية، حيث يوجد بعض الناس يرفعون
شعارات لا يؤمنون بها، لكنهم بهذه الشعارات يضغطون على عدوهم، ولذلك يرفعون هذا
الشعار ويتحدثون فيه ,هذه الانتخابات السياسية موجودة ولذلك في قضية رفض التحكيم
نشاهد أشخاصاً ـ بحسب واقعهم ـ ما كانوا يؤمنون بأي شعار، وعندهم مصالح معينة،
ولكنهم كانوا يريدون أنْ يضغطوا على علي (عليه السلام) بأي شكل من الأشكال، وكان
هؤلاء يمثلون جماعة كبيرة، وبعضهم أُناس أشداء مستعدون أنْ يرتكبوا كل جريمة من
أجل تنفيذ أغراضهم.
وبالنسبة للخوارج كان وضعهم
بهذا الشكل، وقد قيّمهم أمير المؤمنين (عليه السلام) تقييماً صحيحاً عندما قال:
(لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه)(7)،
فكان يرى أنّ بعضهم مندفع من دوافع إيمان بأنّ التحكيم كان خطأ، وليست لديه مصالح
معينة، وهولاء طلبوا الحق وأرادوه، ولكنهم أخطأوه ولم يعرفوا كيف يتحركون ; لأنهم
كانوا ضُلاّلا.
وأمّا معاوية فقد طلب الباطل
وأصابه، وهو منذ البداية كان يسعى للباطل، والأمويون ـ بشكل عام ـ كانوا قد طلبوا
الباطل وأصابوه.
القسم الرابع:
وهم القسم الأعظم من هؤلاء
الناس، وهم ما نعبر عنه, الرعاع من الناس الذين كانوا يشتركون في العمليات الحربية
ويستهدفون من وراء ذلك الغنائم، لأنّ طريقة الحرب في السابق كانت تعتمد على
إمكانيات الأشخاص، بما يمتلكون من أسلحة ودروع ووسائل نقل وغير ذلك، وعندما تكون
هناك غنائم فهي تقسم وتوزع على الأطراف.
طبعاً في المعارك التي خاضها
الإمام علي (عليه السلام) واجه (عليه السلام) أصحاب المصالح بقضية ما كانوا
ينتظرونها، فقد امتنع عن تقسيم الغنائم، وقال: هؤلاء مسلمون فلا توجد غنائم، حتى
أنّ بعضهم في حرب الجمل طالب بالغنائم، وقال: نحن انتصرنا على أصحاب الجمل فقسم
أموالهم بيننا.
لكن أمير المؤمنين (عليه
السلام) بيّن له الحكم الشرعي، إلاّ أنّه لم يقبل به، وهكذا يأتي شخص آخر ويقول
لأمير المؤمنين: اعطني حصتي من الغنيمة، ولأجل أنْ يصدهم أمير المؤمنين (عليه
السلام) قال لأحدهم: حصتك عائشة، فصدمه، وكان مقصود أمير المؤمنين أنْ يهزه ويقول
له: إنّ هؤلاء مسلمون فيهم أم المؤمنين زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله). فصدم
هذا وعرف أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يعطي غنائم.
لكن هؤلاء كانوا أحياناً
يحصلون على بعض الأموال بطريقة غير مشروعة، كأنْ يأخذ أحدهم سيفاً أو درعاً أو
خنجراً أثناء المعركة، فكانت لهم أساليب وطرق يستخدمونها ليحصلوا على الغنائم.
وهؤلاء موجودون على طول
التأريخ، فأصحاب المصالح يخرجون إلى المعركة مقاتلين، لكنهم يتربصون لكي يحصلوا
على الغنيمة، فهدف أحدهم أنْ يقتل شخصاً لكي يحصل على سيفه أو درعه، فهم يتحركون
وراء المصالح، وليس وراء الأفكار والعقائد والرؤية السياسية والهدف المعين.
وقد أدت المعارك التي خاضها
الإمام علي (عليه السلام) إلى بروز هذه المجموعات السياسية في مجمل الأوضاع، التي
جاء فيها الإمام الحسن (عليه السلام)، وعندما استُشهد الإمام علي (عليه السلام) في
هذه الأيام الشريفة من شهر رمضان استلم الإمام الحسن (عليه السلام) الإمامة.
ولو كان الإمام الحسن (عليه
السلام) يفكر من موقع ذاتي وشخصي، أو يفتش عن شؤونه وأوضاعه الخاصة ووجاهته لكان
من المفروض أنْ يمتنع عن استلام الخلافة، عندما تسير الخلافة إلى هذا المصير، وهذا
واضح من خلال رؤيته لمجمل الأوضاع التي كان يعيشها الناس الإمام الحسن (عليه
السلام) وتعبئة الناس ولكن مع ذلك قال الإمام الحسن (عليه السلام): إنّه يجب أنْ
نقاتل معاوية، وأمر بتعبئة الناس، ووقف وخطب وعبّأ الناس وجند الجنود، ونصب
القواد، وبعث المجموعات العسكرية لقتال معاوية، وبذل كل الجهود في هذا المجال من
أجل أنْ يقوم بهذه الوظيفة الشرعية.
وكان (عليه السلام) يسمع الهمس
الذي يدور حوله من كل مكان، همس أولئك الذين هم على استعداد لأنْ يسلموه لمعاوية،
حتى وصل الأمر أنّ مجموعة من الأشخاص القريبين من موقع الإمام الحسن (عليه
السلام)، والذين كانوا مسؤولين عن حمايته ـ أي حمايته وحرسه لأنّه في ذلك الوقت
كانت المسؤوليات تُقسم على شكل مجموعات قبلية، تنظم على الطريقة القبلية
والعشائرية ـ راسلوا معاوية، وكانوا على استعداد لأنْ يسلموا الإمام الحسن (عليه
السلام)، على أنْ يقبضوا في مقابل ذلك أموالا، ويحصلوا على وعود بمناصب، لقد وصل
الأمر إلى هذا الحال.
ومع ذلك خطب الإمام الحسن
(عليه السلام) في الأنبار وتحدث مع الناس، وحاول أنْ يجربهم فكانت التجربة مأساوية
قاسية، لأنّه بعد الخطاب بلا فاصل هجم الناس على الإمام الحسن (عليه السلام)
وسحبوا البساط من تحته، ونزعوا رداءه وحاولوا أنْ يسلبوا سلاحة، إلى أنْ تداعى له
نفر من همدان وربيعة وأحاطوا به وأنقذوه من هجوم الناس.
ومع ذلك استمر الإمام الحسن
(عليه السلام) بتصميمه على القتال، فنصبوا له كميناً في الطريق، فهاجمته جماعة من
الناس، وضربه أحدهم بمعول في بطنه.
وكان عبيد الله بن العباس
مسؤولا عن الجيش الذي أرسله الإمام الحسن (عليه السلام) في المقدمة لمواجهة وقتال
معاوية، واختير لهذه المجموعة أفضل المقاتلين، وقيل: إنّ آمر المجموعة هو عبيد
الله بن العباس، وإذا استُشهد فالأمير قيس بن سعد بن عبادة
.
وقد اختار الإمام الحسن(عليه
السلام) عبيد الله بن العباس لعدة أسباب:
أوّلا: إنّه إنسان له موقع
وشرف، وكان لمدة طويلة يباشر الولاية، فقد كان والياً لأمير المؤمنين (عليه
السلام) في اليمن.
ثانياً: إنّه قريب منه، أي
يحرز ولاءه باعتبار هذا القرب.
ثالثاً: إنّ بسر بن أرطاة ذبح
طفلين لعبيد الله بن عباس بأمر معاوية، وذلك في المعارك التي بدأت في الأيام
الأخيرة من حياة أمير المؤمنين، فهو إنسان منكوب ومصاب، فالإمام الحسن (عليه
السلام) يحرز كل هذه الجوانب الذاتية والنفسية في هذه الشخصية. وإذا به يقبض
مبلغاً كبيراً من المال ويتسلل ليلا إلى معاوية، ويصبح الجيش يريد أنْ يصلي صلاة
الصبح(8)، وينتظرون صلاة الجماعة حتى يأتي القائد ليصلي بهم، فانتظروه ولم يأتِ،
فلم يعرفوا المسألة، وهنا تقدم سعد بن عبادة للصلاة، ثم تبين أنّ القائد قبض
الأموال وتسلل ليلا إلى جيش معاوية.
الخيارات المطروحة أمام الإمام
الحسن (عليه السلام)
لقد كانت الأوضاع السياسية
تجري بهذا الشكل، والإمام الحسن (عليه السلام) كان يعرفها، ووجد أمامه خيارين،
فإما أنْ يختار الاستمرار في القتال، أو يختار الهدنة، ولو اختار الخيار الأول
فسوف ينتج له عن ذلك أمران:
الأوّل: أنْ يقتل كل أصحاب
الإمام علي (عليه السلام)، فهؤلاء يبادون ويقتلون قتلا عاماً، والمبررات السياسية
لهذا القتل كانت موجودة، ويمكن أنْ يطرحها معاوية بعنوان أنّ هؤلاء خالفوا التحكيم
وهم متمردون عصاة بغاة، إلى غير ذلك من العناوين التي يمكن أنْ يحصل عليها معاوية،
وبذلك تُباد هذه الجماعة بكاملها.
الثاني: وهو أنْ يؤسر الإمام
الحسن (عليه السلام)، فإما أنْ يقتل هو وأهل بيته، أو يقول له معاوية: اذهب فأنت
طليق، وتبقى هذه القضية في مقابل قضية مكة، فعندما دخل النبي (صلى الله عليه وآله)
لفتحها قال للمشركين الذين قاتلوا: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)(9)، ومنهم معاوية،
وبالتالي يقول معاوية: هذه واحدة بواحدة، ويسدل الستار على حركة الرسالة الإسلامية
بهذه الطريقة، وتصبح القضية وكأنّها قضية عداوة قبلية، فبنو هاشم قالوا للأمويين
والمشركين في فتح مكة: أنتم الطلقاء، والآن يقول الأمويون لبني هاشم في هذه
المعركة: أنتم الطلقاء، وتصبح واحدة بواحدة، وتختم الرسالة، ويتحول الإسلام إلى
ملك عضوض، فلا توجد هناك مفاهيم وعقائد وأفكار.
والإمام الحسن (عليه السلام)
واجه هذا الخيار وخيار الهدنة فاختار الهدنة، وبذلك حفظ هذه الجماعة الصالحة،
فلولا موقف الإمام الحسن (عليه السلام)(10)، لأبيدت هذه الجماعة الصالحة.
لقد كان الإمام الحسن (عليه
السلام) يفكر بمصالح الإسلام والمسلمين، ولذلك تنازل عن كل القضايا ذات العلاقة به
شخصياً من أجل أنْ يحفظ هذه الجماعة.
إنّ حفظ جماعة أهل البيت (عليه
السلام)، وحفظ شأنها ومعنوياتها واحترامها وكرامتها وعزتها، مسؤولية عظيمة وكبيرة
جاهد الأئمة (عليهم السلام) وبذلوا أنفسهم من أجلها.
فقضية جماعة أهل البيت (عليهم
السلام) ليست قضية بسيطة، لأنّ هذه الجماعة هي المسؤولة عن الإسلام في هذا العصر،
وفي كل العصور، فهي التي تتحمل الأمانة، فالعالم الإسلامي الآن يوجه أنظاره إلى
أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، ويرى أنّهم هم الذين يقودون مسيرة الإسلام، ويقودون
معركة الدفاع عن الإسلام.
فيجب أنْ نحافظ على هذه
الجماعة ونهتم بها، ونعرف كيف نقويها، ونؤلف بين بعضها والبعض الآخر، وكيف نوحّد
صفوفها ونجمع كلمتها، وهذه مسؤولية أمّام الله سبحانه وتعالى، فيجب أنْ نشعر بهذه
المسؤولية.
وقد قام الإمام الحسن (عليه
السلام) بكل هذه التضحية، كما صرح هو بذلك في روايات عديدة، فقد جاء أنّ كل هذا
الذل والسب والشتم الذي كان يسمعه طيلة السنوات التسع، التي عاشها تحت منبر
معاوية(11) إنّما هو من أجل أنْ يحفظ هذه الجماعة من الإبادة والقتل، ولولا تضحية
أهل البيت (عليهم السلام) لأُبيدت هذه الجماعة.
منذ اليوم الذي مات فيه رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وإلى الآن نجد أنّ هذه الجماعة تتعرض للقتل والتشريد
والمطاردة والاضطهاد، وكانت الدول التي تحكم تحقد على أتباع هذه الجماعة وتنصب لهم
العداء وتخطط لإبادتهم، كما يجري الآن في العراق،والبحرين واليمن والسعودية ...حيث
يباد الناس بشكل جماعي وبدون رحمة وشفقة، وأمام أنظار العالم ولا يوجد من يتحدث
عنهم.
يوجد من يتحدث عن ذلك، ولكن
بصوت هادئ وكأنّه يرى الوجوب الإخفاتي في الحديث، كما نرى وجوب الإخفات في الصلاة.
وهذه الظلامات كانت تجري على
أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم منذ الصدر الأوّل، وبهذا الشكل المرتب، ولكن مع
كل ذلك نلاحظ العناية الإلهية والتوفيق الإلهي والتخطيط الرائع العظيم لأهل البيت
(عليهم السلام)، فقد تمكنت هذه الجماعة أنْ تجتاز كل هذه المحن والآلام وتنمو
وترشد وتتطور وتتكاثر وتقوى وتتأصل وتتجذر، حتى أصبحت الآن أمل المسلمين جميعاً في
كل أقطار العالم الإسلامي، لقد حافظ أهل البيت (عليهم السلام) على هذه الجماعة،
وخططوا لها واهتموا بالجانب المعنوي.
المسلمون وشهر رمضان
وإذا أردنا أنْ نرجع إلى
التراث نجد أنّ المسلمين ـ وهم أكثرية كما تعلمون ـ يحترمون شهر رمضان، ويحترمون
الصيام وليلة القدر والشعارات، لأنّ القرآن الكريم نص عليها، ولكن إذا رجعنا إلى
تراث أهل البيت (عليهم السلام) في موضوع شهر رمضان نجد فيه ما ليس عند الآخرين،
فلا يوجد عندهم دعاء أبي حمزة الثمالي ولا دعاء الافتتاح، ولا دعاء الأيام
والليالي.
وهذا التراث الموجود بالنسبة
إلى شهر رمضان لم يكن أمراً عفوياً، لأنّ أهل البيت (عليهم السلام) اهتموا بتربية
هذه الجماعة تربية روحية ومعنوية، بحيث تكون قادرة على الصمود أمام كل هذه
الحوادث، وهذا التخطيط يجب أنْ نتجاوب معه ونلتفت إليه في مجمل حركتنا.
صحيح قد يكون الآخرون اهتموا
بمظاهر شهر رمضان أكثر منّا، والتزامهم بالمظاهر أكثر من التزامنا، وذلك لأنّ
الدولة كانت معهم، وهي تهتم بهذه المظاهر فتعلّموا عليها وارتبطوا بها، وهي ظواهر
صحيحة يجب أنْ نهتم بها. لكن إذا أردنا أنْ ننظر إلى المحتوى والمضمون فسوف نجد
أنّ المضون الذي جاء عن أهل البيت (عليهم السلام) لا نظير له.
ففي الدعاء أو الزيارة ثقافة،
وهذه مدرسة تعلمك كيف تتحدث وتناجي وتتخلق بالأخلاق، وكيف تفهم معنى الجريمة
والذنب والإثم، وكيف ترجع عن الجريمة والإثم والذنب، وكيف تتوب وتؤوب إلى الله،
وكل هذه الأُمور تعليمات واضحة بيّنة دقيقة في هذا الدعاء. وهذا الدعاء هو التراث
الموجود لدينا.
فأين تجد مثل دعاء كميل أو
دعاء السمات، وأين تجد مثل الصحيفة السجادية، وأين تجد مثل هذه الأدعية الشريفة
تخطيط أهل البيت للمحافظة على
الجماعة الصالحة
لقد اهتم أهل البيت (عليهم
السلام) بالجانب الروحي والأخلاقي اهتماماً عظيماً وكبيراً من أجل أنْ يضمنوا أمن
هذه الجماعة، وهذا ما نفهمه من خلال المدارس العلمية الجليلة.
وإذا أردنا أنْ نرجع إلى تخطيط
أهل البيت (عليهم السلام) في المحافظة على أمن هذه الجماعة نجده تخطيطاً رائعاً لم
تتوصل له المدارس الحديثة، فضلا عن مدارس الأمويين والعباسيين التي تعتمد على القمع
والمطاردة، والأساليب الوحشية.
وأهل البيت (عليهم السلام)
خططوا لذلك تخطيطاً رائعاً ودقيقاً، وذلك عن طريق العلاقات بين الجماعة
والارتباطات بينها، وكذلك عن طريق هذه المجالس الشريفة.
فلذلك لابد أنْ نشكر هذه
الجهود الجبابرة التي قام بها أهل البيت (عليهم السلام)، وذلك عن طريق تآلف قلوبنا
وتوحّدنا، وأنْ يحب بعضنا البعض الآخر ويصفح عنه، ويتنازل بعضنا للبعض الآخر، كما
تنازل الإمام الحسن (عليهم السلام) عن كل هذا الوجود الكبير من أجل هذه الجماعة.
، أحياناً يضع أحدنا نفسه في
خندق، ويضرب شخصاً آخر في خندق آخر، لأنّه سمع منه في يوم من الأيام كلمة قاسية في
ساعة غضب، أو في ساعة عصبية. ولكن على كل حال يمكن للإنسان المؤمن أنْ يغفر لأخيه
المؤمن.
أمّا الآن فنحن نتخندق لمجرد
كلمة غير صحيحة وغير واقعية، ولمجرد شبهة ينم به نمام لكي يلقي الفتنة بين
الأشخاص، ومع أنّها غير واقعية إلاّ أننا نأخذها كالمسلمات، ونرفعها علماً من
الأعلام وشعاراً من الشعارات، وتصبح قضية.
وهذه المسألة ليست مسألة
محدودة بقضية من القضايا، وإنما نشاهد هذه الحالة في كثير من القضايا المختلفة.
طبعاً أنا أهتم بالقضية الخاصة
أو المحدودة، لكن هذه القضية لها أبعاد عامة، أنا أرجو من الله سبحانه وتعالى في
هذا الشهر المبارك أنْ يوفقنا إلى أنْ يغفر بعضنا للبعض الآخر، فكيف لا نرجو غفران
الله في هذا الشهر، فمن منّا لم يأثم ولم يخطأ ويذنب ويقصر مع الله سبحانه وتعالى،
سواء في تقصيراته مع الناس أم مع الله بشكل مباشر، فكلنا نتعرض لذلك ونحتاج إلى
غفران الله في مثل هذا الشهر، فكيف نرجو هذا الغفران، ونحن لسنا على استعداد لأنْ
نغفر لإخواننا، أو نصفح عنهم ونسامحهم.
طبعاً من جملة الأعمال الشريفة
الفاضلة، بل لعلها أفضل الأعمال ـ الله سبحانه أعلم ـ هو هذا العمل ـ طبعاً غير
الأعمال الواجبة ـ وهو أنْ يغفر الإنسان لإخوانه المؤمنين {ربنا اغفر لنا
ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان}(12)، وهذه من صفات المؤمنين.
وعندما يصف القرآن الكريم
المؤمنين الصالحين، ويقسمهم فيقول:
القسم الأوّل: هم المهاجرون،
والقسم الثاني: هم الأنصار، والقسم الثالث: هم التابعون الذين يصفهم بهذه الصفة:
{والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا
تعجل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}(13)، يعني هذه الرأفة والرحمة
الإلهية إنّما نرجوها في مثل هذا الموقع، وفي مثل هذا الاهتمام: {ولو أنّهم إذ
ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً
رحيماً}(14).
كيف يمكن أنْ نرجو أنْ يستغفر
لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويشفع لنا، ونحن لا نغفر لأخينا المؤمن في أمر
من الممكن أنّه لم يفعله ولم يسمعه، وإنّما هو مجرد وهم، وهذه قضية من القضايا
الأساسية في علاقات المؤمنين بعضهم مع البعض الآخر.
نسأل الله أنْ يوحد كلمتنا،
وأنْ يوحد صفوفنا وأنْ ويجمع هذه الكلمة والصفوف على حبل الله، وعلى الاعتصام
بالله وبالإسلام، وأنْ نطبق الأحكام الشرعية في غربتنا، فنجد أنفسنا ـ إنْ شاء
الله ـ في موقع واحد، وفي سلوك واحد.
نسأل الله أنْ يبارك لكم في
هذا الشهر الشريف، وأنْ يوفقكم للدعاء والتوبة والإنابة والمغفرة، وأنْ يوفقنا
لهذه الوحدة، وأنْ يتقبل منكم ذلك، كما أسأل الله سبحانه وتعالى أنْ يتقبل من
إخواننا الحاضرين اجتماعهم هذا، وعملهم ويؤجرهم على ذلك.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أنْ
يجمع كلمتهم ويوحد صفوفهم، وأنْ يبارك في أعمالهم، والحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
الهوامش:
____________
1- الأنبياء: 73.
2- الجدث: هو القبر.
3- بحار الأنوار 44: 23.
4- بحار الأنوار 44: 196.
5- وإنْ كانوا في الواقع لا
يرفعون نفس الشعارات، ولكنهم يلتزمون بمنهج معاوية، وهو منهج الوصول إلى السلطة
بأي طريق، أي المنهج الميكافيلي، وهو المنهج الانتهازي الذي يريد أنْ يصل إلى
المصالح والمواقع.
6- مسند أحمد 1: 448.
7- شرح نهج البلاغة 5: 78.
8- كان الناس في ذلك الوقت
يلتزمون بصلاة الصبح، وليس في مثل هذه الأيام، فيخرجون كلهم ولا يتخلف منهم واحد
عن صلاة الصبح، ويقيمونها جماعة، وكان المسلمون يلتزمون بصلاة الجماعة، وكأنّها
شبه واجبة، وكان النبي(صلى الله عليه وآله) يهدد الأشخاص الذين لا يحضرون صلاة
الجماعة من دون عذر بأنه سوف يحرق بيوتهم ويهدمها.
9- الكافي 3: 512.
10- هذا الموقف العظيم الشجاع
الذي كان على حساب مصالحه الخاصة، وعندما أقول مصالحة الخاصة فلا أقصد مصالح أموال
أو لذّات أو اعتبارات، فكثير منّا يتوقف ولا يقدم على عمل لأنّه يرى أنّ هذا العمل
ينافي اعتباره ومقامه ووجاهته وشأنه. فقد يكون مستعداً لأنْ يعطي أمواله، ويتحمل
العناء والعذاب، ولكن ليس على استعداد لأنْ يكون هناك إضرار بشأنه، لأنّه يرى شأنه
أعظم شيء في الدنيا، والإمام الحسن (عليه السلام) شأنه أعظم شأن، وكان يمكنه أنْ
يقول: إنّ من شأني أنْ لا أبايع معاوية، وبالتالي أقاتل فأقتل وأذهب شهيداً،
وليجرِ ما يجري على المسلمين، فالله هو المسؤول عنهم، وينتهي الأمر عند هذا الحد.
11- حيث يسمع خطباء معاوية
يسبون علياً وينالون منه ومن أفكاره ومفاهيمه وكل من يمت له بصلة، وهو يعرف أنّ
الحديث عن علي (عليه السلام) هو حديث عن محمد (صلى الله عليه وآله)، والحديث عن
علي (عليه السلام) حديث عن الإسلام، والحديث عن علي (عليه السلام) حديث عن الزهراء
(عليها السلام)، فقد كان (عليه السلام) يعرف كل هذه الأُمور.
12- الحشر: 10.
13- الحشر: 10.
14- النساء: 64.